فأما المحارب فقد تلوت في الآية. ومعناها: أنهم إن أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، فإن عادوا بعد ذلك قطعت منهم الأيدي والأرجل الباقية فيعرضوا. وكان الحكم الأول من السارق الجلد. قال النبي صلى الله عليه وسلم في حرمته:(الجلد غرامة مثلها وجلدات نكال). ثم نسخ الجلد وشرع القتل مكانه، ونسخ تضعيف الغرامة، وأقرت غرامة المثل. كما أقر به المسروق إذا كان قائما بعينه.
فأما الغصب والاختلاس والنهب فمحاربة ولكنه لا قطع فيها، إنما القطع من إخراج المال المحرز من خرزه عن جميع الدار إلى الطريق أو عن دار المسروق منه إلى غير داره وغير بيته.
فأما ما لم يكن محرزا أو لم يوجد محاربة فلا قطع فيه. وإذا كانت المحاربة فالبدو والحضر فيها سواء لعموم الآية. وأن أخذ المال محاربة إن كان أغلظ من أخذه سرقه لما فيه من المجاهدة، فهي إذا كانت في الأمصار مجاهدة. فوجب أن يكون مما يجاب الحد أولى منها إذا وقعت خارج المصر، ولا تكون كالغصب والاحتلاس، كما لا تكون المحاربة في المفازة بمنزلة الغصب والاختلاس. وإنما سموا محاربين لأنهم يأخذون السلاح لدفع المانعين والله هو المانع، فكأنهم قصدوا محاربته. وليس في الغصب والاختلاس هذا المعنى، فكذلك لما يكن فيها حد والله أعلم.
وأيضا فإن قطع الطريق ليس فيه أخذ المال فقط، ولكن هذا قد سد سبيل الكسب على الناس، لأن أكثر المكاسب وأعظمها التجارات، وعمادها وتركيبها الضرب في الأرض كما قال الله عز وجل:} وآخرون يضربون في الأرض ويبتغون من فضل الله {. فإذا أخيف الطريق انقطع الناس عن السفر، واحتاجوا إلى لزوم البيوت، وانسد باب التجارة عليهم. وانقطعت أكسابهم. فشرع الله تعالى على قطاع الطريق الحدود المغلظة ردعا لهم عن سوء أفعالهم، وفتحا لباب التجارة لمن أرادها منهم.
فأما السرقة فليس فيها أيضا أخذ المال فقط، ولكن إشاعة الحزن على صاحبه، وإذا