فسقا. ثم قال:{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم {يعني قولهم تأكلون مما قتلتم، ولا تأكلون مما قتله الله، ثم حذرهم أن يقبلوا منهم. فقال:} وإن أطعتموهم إنكم لمشركون {أي إن استسلمت لما تقولون ورأيتموه حجة فأنتم مشركون. لأن الله تعالى حرم عليكم الميتة نصا، فإذا قبلتم تخليها من غيره فقد أشركتم، ثم إن الله عز وجل استثنى من الذي حرم عليه الميتة المضطر، فقال:} فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور رحيم {وقال في آية أخرى:} فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه {وقال في آية ثالثة:} إلا ما اضطررتم إليه {. فكل من اضطر في مخمصة في تأدية لم يقع عليها البغي على الإمام العادل، وعدوان على الناس بسيفه، وهو أن يقطع عليه الطريق، ويأخذ أموالهم. ومن أتى عليهم منهم ثلاثة فله أن يأكل من الميتة قدر ما يسد رمقه، ويمسك عليه حياته، ولا يزيد عليه.
سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا إنها نفلاء فشأنكم بها). فأبان إنهم لم يأكلوها أكل الطعام المباح فلا إثم عليه فيها. ولكن الطعام المباح ألا ينحر له حال الضرورة يخاف منها على النفس، لكن الواحد يصطبح بشيء، فيستغني به عما سواه إلى الليل، يريد به أن يكون أبلغ إلى حوائجه. فإذا أمسى تناول منه ما تركه بالنهار، وإن لم تكن ضرورة شديدة.
وقد يضم إليه النقل وغيره، أما مزدادا من الطعام، وأما مستطيبا له. وليس هذا سبيل الميتة، إنما اذن منها بما يمسك به الرمق، والضرورة الداعية لها، لا تتفق في وقت بعينه من صباح أو مساء، ولا تؤكل استطابة، فيضم إليها نفل أو نحوه. فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إذا لم يأكلوها كما يأكلون الطعام ولا يأثم عليهم فيها، والله أعلم.
وأما الدم، فقد كان أهل الجاهلية لا يتحاسونه، وكانوا يطبخونه فيأكلونه، يرون أنه لا فرق بينه وبين اللحم، وربما طرق المقل منهم ضيف، فينزع له عرقاً من جزور،