فيأخذ دمه، ويطبخه ويقدمه إليه. وكانوا يقولون: ما حرم من قصد له. فأما شرع الله الشريعة الحق الدم بالأنجاس، وحرمه وجعله مماثلا للميتة، ليس أنه كان للحم فإنما هو كميتة اللحم لا كذكية. ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم، استثنى من الميتة والدم، فقال:(أحلت لي ميتتان: الحوت والجراد). وأما الدمان: الكبد والطحال، فأباح الكبد والطحال، لأنهما دمان جامدان مع قيام الحياة في نفس الحيوان، فهما لذلك بمنزلة اللحم. وأباح الحوت والجراد لأنه ليس في واحد منهما دم مهدر بالريح، فكان الميت من كل واحد منهما بمنزلة البهيمة بعدما ذبحت، فسال دمها، وبقي منها جوفها والله أعلم.
وأما الخنزير فقد حرمه نصا وسماه عز وجل رجسا، والرجس أعظم النجس، فدل بذلك على غلظ تحريمه ووكادته.
وأما ما ذبح لغير الله، فهو ذبحة الوثني المجوسي المعطل. لأن الوثني يذبح للوثن والمجوسي للنار، والمعطل لا يعتقد شيئا فيذبح لنفسه. وأما المسلم فإنما يذبح لله تعالى لأنه يعتقد أنه يستحله بما أحل الله له من ذبح أو نحر أو رمي أو طعن أو ضرب على حسب حال الحيوان في نفسه من أن يكون مقدورا عليه أو خارجا من اليد غير مقدور عليه، ويقتصر على الأصناف التي عنده.
أن الله تعالى أحلها له، كما يقتصر على الفعل الذي نرى أن الله به أحله، فيكون ذبحه أو نحره واقعا لله تعالى.
وكذلك اليهود والنصارى يذبحان لله لأن معبودهما في أصل دينهما ليس إلا الله تعالى وإن ينحران بذبحهما. ولو أن نصرانيا قال: باسم المسيح أو باسم عيسى، فلا يخلو بأن يكون ذابحا لله تعالى لأنه لا يقول هذا القول من النصارى إلا من زعم أن الله حال على المسيح ومتخذ به، وليس عيسى سواه، ولا متميزا عنه- تعالى الله عن الحلول والاتحاد- إلا أنه يقول: لا شيء سوى عيسى فإذا كان كذلك، فهو إذا قال باسم المسيح، فإنما يخص المسيح بالتسمية لما هو مختص به عنده، واختصاصه عنده بأن الإله متحد به، فقد صار قصده إذا من ذكر المسيح ذكر الإله، فجعل ذابحا لله، فكذلك حلت ذبيحته، والله أعلم.