الندم. ولو أن المالك وجد ماله فأخذه لم يغن ذلك الغاصب من التوبة لأن فسقه لا يرتفع بأخذ المالك مال نفسه، فقد صارت التوبة واجبة، ولا يقدر الغاصب منها إلا على الندم والعزم على ترك العود ثم الندم يصح، وإن كان الغاصب عاجزًا عن تقريره وتحقيقه يرد المال إذا المالك قد وصل إلى ماله ما لا يفعل كان منه فما أنكرت أن العاجز عن الفعل تصح توبته وعزمه على ترك العود، وإن لم يمكنه تحقيق هذا العزم لما حدث من العجز عن الفعل. ولم لا سويت بين العجز عن مقدر الندم، وبين العجز عن مقرر العزم على ترك العود. إن التوبة فرض من فرائض الله تعالى على عباده، وما من عبادة تنقسم إلى أركان إلا والعجز عن أحدها لا يسقط المقدور عليه منها وذلك المقدور إذا أثابه أجرًا وقامت تلك العبادة ألا ترى أن الصلاة أعمال وأنها إذا وقع العجز عنه قامت الصلاة قائمًا وراءها فلم لا قلت إن التوبة إن كانت تنقسم إلى ندم وعزم على ترك العود، فإن العزم على ترك العود إن بطل العجز عن العود، فذلك لا يمنع من أن تفهم التوبة بالندم وحده وبالله التوفيق.
مسألة: وزعم أن من كانت له ذنوب فتاب من أحدها لم تصح توبته حتى يتوب منها كلها، واعتل بأن التوبة من الذنب إنما تصح إذا كانت، لأنه ذنب أو لأنه معصية. فأما التوبة منه، لا لأنه معصية لا تصح وإن كانت التوبة إنما تصح إذا كانت، لأن ما يتوب منه معصية فهو إذا كان مقيمًا على معصية أخرى لم تكن بينهما وبين الذي يتوب منها فرق فيكون كمن تاب عن معصية هو مقيم عليها فلا تصح توبته.
ألا ترى أنه لو تاب من غصب المال وهو متمسك به لا يرده لم يكن تائبًا. فكذلك إذا تاب عن الغصب وهو مقيم عن القتل أو القذف أو الشرك خمرًا أو عقوق الوالدين لم يكن تائبًا لأن الغرض من التوبة الردع عن المعصية وهذه كلها معاصي.
فيقال له: ما تقول في رجل زنى وشرب الخمر فجلد حد الزنا. أيكون ذلك حدًا مع بقاء حد الشرب عليه، فلا بد من نعم فيقال له: أليس إذا جلد على حد الزنا لأنه وقع منه معصية، لا لأنه هتك حرمة زوج المرأة أو ابنها أو عمها أو بناتها وغيرها فلا بد من بلى فيقال له: أرأيت لو قل قائل: أنه إذا كان يجلد على الزنا لأجل أنه معصية، فإن ذلك لا يقع موقع الحد ما دام عليه حد معصية أخرى. وتكون إقامة أحد الحدين عليه