للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وترك الآخر كإقامة بعض الحد الواحد عليه وترك البعض، فإذا كنت قائلًا له: فإن قال: أقول له: إن الحد لم يجب على الزاني لأنه عصى فقط، ولكنه لوجود معصية مخصوصة منه قبل وكذلك الغاصب ليس ذنبه أنه أعصى فقط، إذ لو كان هذا هكذا لكانت الذنوب كلها راجعة إلى حد واحد. وإنما ذنبه أنه إذا عصى معصية مخصوصة وسقط حد الآخرين فما أنكرت أن التوبة تصح من إحدى كبيرين مع الأضرار على الآخرين، لأن كل واحد منهما معصية مخصوصة، فجاز أن يبقى حد بهما، ويسقط الآخر بالتوبة منها.

فإن قال: أرأيت إن كانت عليه كبيرتان من جنس واحد. قيل: أما إذا اعتدلنا فقد يجوز أن يقال: لا يمكن التمييز بينهما من التوبة ليس من الوجه الذي قلت، ولكن لأن التوبة إنما تكون بالارتداع عن الخطية في الحال والندم على ما سلف منها، وترك العزم على العود إليها. فإذا كانت على الرجل خطيئتان من جنس واحد لم يصح منه أن يعزم على ترك العود إلى إحداهما، لأنه إنما ينبغي أن يترك العود إلى مثلها فأما ما مضى منه فلا يتركه العود إليه أبدًا. وإذا كان كذلك فهو إذا لم يتب من الأخرى وهي مثلها صار بالإصدار عليها، كالعائد إلى مثل الذي يريد التوبة منها. فصح أن التوبة من إحداهما لا تتحقق ولا تبالي حتى تكون منهما جميعًا. وليس الجنسان هكذا، لأن الارتداع عن إحداهما على الدوام مع إصابة الآخر ممكن، فكذلك تصح التوبة من إحداهما مع الإصرار على الأخرى. ومما يبين هذا أن الراشين أو الشاربين يدخل حد أحدهما في حد الأخرى، فلا يمكن أن يحد على إحداهما من حيث لا يصير محدودًا على الأخرى. فكذلك لا يكون تائبًا من إحداهما غير تائب من الأخرى وأما الخطيئتان إذا اختلف جنسهما، فإنه قد يكون محدودًا على إحداهما من حيث لا يكون محدودًا على الأخرى. فكذلك قد يكون تائبًا من إحداهما غير تائب من الأخرى. والله أعلم.

مسألة: وزعم أن المطبوع على قلبه قد يتوب، وتكون توبته صحيحة، واعتل بأنه لم يمكن وجود التوبة منه لم يؤمر بها.

فيقال له: ما أنكرت أن المطبوع على قلبه لا يتوب من الذنب الذي طبع على قلبه لأجله. فأما من الذنب الذي لم يكن الطبع على القلب لأجله فقد يجوز أن يتوب، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>