للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز أن يكون مطبوعًا على قلبه من ذنب غير مطبوع من ذنب، وهذا من المسلمين. فأما الكافر يطبع على قلبه فلم يسلم أبدًا. وأما المسلم فقد يختلف الطبع على قلبه كما وصفت، فقد يقع ذلك في الصلاة بتركها، فلا يعود ذلك إلى فعل أبدًا، ولكنه إن كان مع ذلك شاربًا أو سارقًا يتوب منهما، وإن كان في السرقة أو الشرب لم يتركهما أبدًا. وإن كان مع ذلك تاركًا للصلاة تاب منه فصلى، لأن الطبع على القلب عقوبة. وقد يجوز أن يعاقب الله تعالى العبد على ذنب، ويعفو له عن ذنب. والدليل على من طبع على قلبه في شيء لم ينزع عنه، هو أن الطبع على القلب ليس إلا الحيلولة بينه وبين أنصار الصواب والميل إليه، وهو إذا لم ينصر الصواب ولم ينتبه لدواعيه، ولم يمل إليه لم يقبله ولم يوجد منه. قال الله عز وجل: {إن الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} فما يئس نبيه صلى الله عليه وسلم من إيمانهم، ثم أشار إلى سبب ذلك وعلته فقال: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة}. فأخبر أنه حال بينهم وبين الدواعي إلى الإيمان أن يخلص إلى قلوبهم وحال بين قلوبهم وبين أبصارهم ما في الإيمان من الصواب. فدل ذلك على أن الكافر المطبوع على قلبه يستحيل وجود الإيمان منه، فقال: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون}. فأجيبوا أن المطبوع عليه غافل، ووجود الفعل الذي شرطه الاختيار عن الغافل غير ممكن.

وقال: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله والله على علم، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله} فأبان أنه لا هداية له بعد وجود الختم من الله عز وجل على حواسه، ومكان غفله، فكل ذلك يدل على أنه لا يمكن وجود التوبة منه عما هو مطبوع على قلبه فيه. وقال: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل، كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} فأخبر أن المطبوع على قلبه لا يؤمن. فإن قال: فقد قال الله عز وجل: {بل طبع الله عليها بكفرهم، فلا يؤمنون إلا قليلا} فدل ذلك على أن من الكفار المطبوع على قلوبهم من قد يؤمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>