قال: ليس للاستثناء من المطبوع على قلوبهم، إنما هو من جماعة اليهود الذين ابتدأت القصة بذكرهم. فقال:{يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء} فقد سألوا موسى أكبر من ذلك، ثم حكى عنهم بعض المواثيق وقتل الأنبياء عليهم السلام ثم قالوا:{قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا}. أي إلا قليلا منهم فإنه لم يطبع على قلوبهم، فالاستثناء من هنالك لا من نفي للإيمان، وإن كان من نفي للإيمان، فقد خالفه هذا المنهج لأنه يخبر أن يؤمنوا جميعًا، وإن كانوا مطبوعًا على قلوبهم، وقد أخبر الله تعالى بزعمه أنه لا يؤمن منهم إلا قليل ينفك من مخالفة الله تعالى في خبرهم.
فأما قول: هذا الزاعم أن التوبة لو لم يجز وجودها من المطبوع على قلبه لما جاز أن يؤمر بها.
فالجواب: أن الكفار الذين أخبر عنهم الله تعالى قطعًا بأنهم لا يؤمنون أكان الأمر بالإيمان زائلًا عنهم فلا يستطيع أن يقول: نعم، فيقال له: فإن جاز أن يكون من بين الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على أنه لا يؤمن مأمورًا بالإيمان، لم لا جاز أن يكون كل مطبوع على قلبه مأمورًا بالإيمان أو بالتوبة؟ وإن كان لا يمكن وجود واحد منهما. وقد أخبر عز وجل أنه أوحى إلى نوح النبي صلى الله عليه وسلم. {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} ولذلك عرفهم. ولا يجوز أن يقال: إن الأمر بالإيمان زال عنهم. فما أنكرت أن كل مطبوع على قلبه فالأمر بالتوبة قائم عليه، وأن كلًا لا تؤخذ منه التوبة أبدًا وبالله التوفيق.
مسألة: وزعم أن العبد إذا تاب، واجب على الله عز وجل أن يقبل توبته واعتذر بأن رجلًا لو أساء على آخر ثم اعتذر إليه لم يذمه بعد ذلك كما كان يذمه من قبل. فلما نتج الذم مع الاعتذار علمنا أن التوبة من الله عز وجل مسقطه لعقاب الذنب الذي كانت التوبة منه.
فيقال له: أن الله تعالى ليس يحب أمر آمر ولا نهي ناه فليلزمه شيء أو يجب عليه