شيء فكان صواب العبارة إذًا أن يقول: أن العبد إذا تاب قبل الله توبته ولم يردها عليه لأنه عز وجل أخبر عن نفسه بأنه يقبل التوبة عن عباده. وأخبر عنه بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم. (من تاب تاب الله عليه). ولا يجوز أن يقع في خبره عن نفسه، ولا في خبر نبيه صلى الله عليه وسلم عنه خلف. فإن احتج بقول الله عز وجل {كتب على نفسه الرحمة}. أو بقوله:{كان على ربك حتمًا مقضيًا}.
قيل له: معنى ذلك أنه لما قضى ذلك وأخبر به فهو يفعله ولا يخلف وعده لأن الكذب غير جائز عليه، فهذا معنى الاثنين لا سواه.
فأما قوله: إن من أساء إلى آخر ثم اعتذر إليه لم يذمه بعد ذلك، فهو إحالة منه على العادة، والعادة في ذلك مختلفة، لأن من الناس من يلين قلبه للمعتذر فيقبل عذره في أول وهلة، ومنهم من يزداد غيظًا به، فلا يقدر على قبول عذره. وقد يخف الذنب فيمكن قبول العذر عن الذنب أول ما يعتذر. وقد يغلظ الذنب فلا يمكن الإصغاء إلى المعتذر فضلًا عن قبول عذر. ألا ترى أن رجلًا لو قتل ابن رجل أو أباه، أو أحرق داره، أو أخرب ببنائه، ثم جاء يعتذر إليه لم يلزمه أن يقبل عذره، فلا هو إن لم يصغ إليه، ولم يقبل عذره، يكون عند الناس مذمومًا. وإذا كان كذلك، فمعلوم أن حق الله تعالى ألزم من كل حق، وانتهاك حرمته أعظم من كل ذنب. فكيف يجوز أن يقال: ليس على الله عز وجل أن يقبل توبته إلا أن أخبر عن نفسه أنه يفعل ذلك، فهو إحسان منه وفضل ليس بفعل واحد والله أعلم.
ويقال له: المسيء إذا اعتذر إلى من أساء إليه أيكون عذره غير ما يقصد بإساءته إليه أو مثله. فلا بد من أن يقول: لا هو عين ولا مثل، ولكنه إحسان في الجملة يريد أن يجعله عوضًا من الإساءة المتقدمة، فيقال له: أرأيت رجلًا أتلف لرجل عشرة دراهم ثم جاءه بعوض يساوي عشرة أو لا بسواها، وسأله أن يقبل منه ويرضى به. أيلزمه ذلك؟ فإذا قال: لا قيل: فما أنكرت أنه إذا لطمه أو صفعه أو سبه أو شتمه أو سعى