أشد وأقوم من نظرهم. وكان إخراج الله تعالى إياهم إلى الإمام ثم تركه النص به على واحد منهم لعينه إذنًا من الله تعالى لهم في أن يعملوا في اختياره ونصبه بما لا يقدرون على غيره ولا على أكثر منه. فإن ذلك إذا لم يكن لزمت الحاجة واشتدت الضرورة ولم يؤخذ على ما يرفعها إلا أن تدرس المسألة وتذهب الشريعة لا يجوز أن يفرض الله تعالى على عباده فرضًا، ولا يحل لهم سبيلًا إلا بإمام.
دل ذلك على أن لهم أن ينتهوا فيه إلى أقصى ما يطيقونه من التحري والاختيار، ثم لينصبوه، ولا يمنعهم من ذلك إذا اجتمعوا أن كل واحد منهم لا يملك بأميره غيره، إذ لو ملك بأميره غيره لكان أميرًا بنفسه، لأن الاجتماع قد يغير حكم الانفراد. وكذلك صلاة الجمعة يجتمع أهل المصر عليها فينادي ويصيح منهم، ولو زاد كل واحد منهم الإفراد بهما لم يجز. فلا ينكر أن تكون الجماعة إذا اعتقدت الإمامة لواحد يعتقد، وصار إمامهم وإن كل واحد منهم لا يملك من الأمر على الانفراد شيئًا وبالله التوفيق.
وصارت منزلة ما قلنا من أن الحاجة إذا وقعت إلى الإمام وعدم النص وجب العلم فيه بما يمكن منزلة، ما أجمع المسلمون عليه من الله عز وجل لما فرض على الناس من البيت استقباله إذا صلوا، ولم ينص لهم على مثال يجدونه ليفهم أن ينتهوا في معرفة القبلة إلى أقصى ما يقدرون عليه، فصاروا إلى الاستدلال بمهب الرياح وبالجبال وبالشمس والنجوم. لأنهم لم يستطيعوا أكثر منه. فكذلك إذا خلوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم واحتاجوا إلى الإمام، ولم يكن عندهم إلى أحد نص، لزمهم أن يصروا في تعيين من يتولى أمرهم إلى أقصى ما يقدرون عليه من التحري ثم يعملوا عليه، والله أعلم.
فإن قيل: إن الذي أشكلت عليه القبلة بمثل حال غيبته، بحال حضرته لجميع بعض الإدارات بين حاليه, والمستدلون على الإمام لا يمثلون الذين يختارونه بغيره بجمع وصف أو أوصاف بينهما.
قيل: قد بان أن يقال أنهم يفعلون ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش فهو الإمام، فإذا صار إلى ما أعد الله له من كرامته كان أولى الناس بأن يقوم مقامه، من يكون أشبه من معاني الصلاح والاستصلاح به. وذلك يعرف بالاجتهاد. على أنه بهذه الصفة كان بأن يؤمروه على أنفسهم أحق.