للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دوامه عليها بأن انخلع منها إلى مثله، وجب أن يكون ذلك جائزًا، وأما إذا علم في الجملة أنه خير وأصلح من الذي انخلع إليه فذلك غير جائز، وأما إذا أوصى بالأمانة بعده لغيره، فقد يحتمل أن لا يجوز لأن إقامته كانت عن عقد، وتعرض عينًا هي بموته، ويرجع حق الاختيار ونصب الإمام إلى جماعة المسلمين. فإذا أوصى كان بالتوصية داخلًا عليهم في حقوقهم، فلم يجز، وإلا ظهر أن ذلك يجوز، لأن المسلمين محتاجون إلى الإمام ما داموا ودامت الدنيا. فإذا أوصى إلى رجل بالإمامة من بعده فقد كفاهم من بعده شغلًا، لو يم يكفهم لاحتاجوا إلى تكلف القيام به إلى جهد كبير. فوجب أن يكون ذلك منه ماضيًا. وإنما انقطع إمامته بموته أنه لا يقدر بعد الموت على التصرف فإذا قدر على أن تعرض بعد الموت فأزاحها كان ذلك إخلالًا في حق إمامته، وفي جملة ما أسنده المسلمون إليه لما ذكرنا من أن حاجة المسلمين إلى الإمام دائمة في عامة الأوقات والأحوال. فبأي شيء يشغل في أي حال كان؟ فإنه إذا قدر على أن يكفيهم فكفاهم ولم يخل ذلك من أن يكون واقعًا منه بحكم ولايته، فوجب أن يكون ذلك ماضيًا منه والله أعلم.

وقد يحتج لهذا بأن عمر رضي الله عنه أوجب الأمر من بعده لما طعن لأحد ستة نفر: عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة وسعد والزبير، فبايعته الصحابة على ذلك، ولم يخرجوا الأمر من بينهم إلى سابع، فعلمنا أنه لو كان أوجبه لواحد منهم بعينه لكانوا إلى مبايعته أبدر، فأما استخلاف أبي بكر عمر رضي الله عنهما في مرضه، فقد يحتمل أنه كان استخلافًا بعد الموت، فكان وصية له بالإمامة، ويحتمل أنه استخلفه في الحال لعجزه عن القيام بما كان إليه، على أنه إذا مات استقر له الأمر، والله أعلم.

فصل

فإن لم يكن لمن جمع شرائط الأمانة عهد من إمام قبله، واحتيج إلى نصب المسلمين إياه فأشبه ما يقال في هذا الباب عندي وأملاه بالحق، أنه إذا اجتمع أربعون عدلًا من المسلمين أحدهم عالم يصلح للقضاء بين الناس فعقد، والرجل جمع الشرائط التي تقدم ذكرها للإمامة بعد إنعام النظر، والمبالغة في الاجتهاد، تثبت له الإمامة، ووجبت له عليها الطاعة، وينبغي أن يبدأ العالم الذي بينهم بالعقد ثم العدول الذي ليسوا في العلم

<<  <  ج: ص:  >  >>