للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرأي مثله، وأصل هذا أن الصحابة لما اختلفوا في الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اجتمعوا على أبي بكر رضي الله عنه، كان سبب اجتماعهم اشتقوا له الإمامة المطلقة العامة من إمامة الصلاة فقالوا: قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذل يؤخره؟ وقالوا: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فرضيناه لدنيانا! فكما وجبت مبايعتهم على تقديم أبي بكر، فالاعتراف له بالإمامة كذلك تجب مبايعتهم. في هذا الاستدلال واستباق حكم الإمامة المطلقة في الإمامة الخاصة، وهي إمامة الصلاة فيما تدعو الحاجة إليه. ثم إن وجدنا الصلاة تختلف، فمنها ما لا يجوز إلا بالاجتماع عليها، ومنها ما يجوز في حال الانفراد، فلم يصح اشتقاق حكم الإمامة التي لا يثبت إلا بالاجتماع عليها من الإمامة الصلاة التي تصبح من غير اجتماع وعليها وجب الاشتقاق حكمها من إمامة الصلاة التي لا يجوز الاجتماع عليها وهي صلاة الجمعة. وقد قام الدليل على أن صلاة الجمعة لا تنعقد للأربعين رجلًا، ثم إن الأربعون الذين تنعقد بهم الجماعة من شرطها أن يكون أحدهم إمامًا يتولى بهم الصلاة، والآخرون يتبعونه. فأوجبنا أن يكون أحد الأربعين يعقدون للإمامة المطلقة عالمًا يصلح مثله للقضاء، فيكون هو الذي يتولى الاجتهاد والنظر ويبدي رأيه للآخرين فيبايعونه.

فإن قيل: إن الصلاة التي اشتقت الصحابة إمامة أبي بكر رضي الله عنه من إمامته فيها كانت غير الجمعة، وكانت من الصلوات التي يجوز الانفراد بها، وخبر كل صلاة جماعة باجتماع اثنين عليها، فيقولون أن الإمامة تثبت باجتماع عدلين على العقد.

فالجواب: أنهم إنا اشتقوا استحقاقه للإمامة المطلقة العامة من تقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه للإمامة الخاصة. وليس إذا كان مستحقًا لها صار إمامًا، ولكنه إنما يصير إمامًا بأن يعقد له: فإن الإمام من يؤمر به لأمر يستحق أن يؤثم به فقط. فلم يجز إذا استدل باستحقاقه للإمامة في الصلاة المحتلمة للانفراد على استحقاقه للإمامة المطلقة أن يستدل بقيام إقامته فيها بواحد ينضم إليها على قيام الإمامة المطلقة بواحد أو اثنين، لأن العقد غير الاستحقاق، وهو منزلة بعده.

والذين عقدوا له لم يقيضوا حكمًا من عقد الصلاة المحتملة للانفراد لأنهم لم يروا أن واحدًا إذا تابعه فقد وجبت الإمامة له، وعندنا أنهم إنما اعتدوا إمامته إمامة بعد أن

<<  <  ج: ص:  >  >>