للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال له: أنه إنما يكون قاهرًا لبعضهم ببعض إذا سمعوا له وأطاعوه وليس السؤال عن هذا ولكنه عن غيره. وهو أن إمامته إن كانت ثبتت بالقهر، وقهره إنما يقع بجنده وأعوانه فالجند إذ لو كانوا استعصوا عليه لم يجد من يقهرهم به، فلماذا ألزمتهم طاعته التي يصير بها قاهرًا؟ وحرمت مخالفته؟ ولم لا يقال: أنهم إن لم يسمعوا له ولم يطيعوا لم يخرجوا ولم يكونوا بغاة، لأنه بطاعتهم يصير إمامًا، أو بطاعتهم يصير له قاهرًا، فإذا لم يطيعوه لم يكن قاهرًا، وإذا لم يكن قاهرًا لم يكن إمامًا. فهم إذًا يمنعون الإمامة أن تثبت له، لأنهم يدفعونه عن إمامة بائنة. فلم لا كانت منزلته منزلة قوم من أهل الرأي اجتمعوا فاختار بعضهم إمامًا وأبى الآخرون، دون أن تكون منزلة من يخرج على الإمام العادل القاهر.

وفي إجماع الأمة على أن أهل العقد إذا عقدوا للأمة لرجل له أعوان وأنصار، لزمت الأعوان والأنصار طاعته حتى إن نبذوها كانوا خارجين على الإمام، ما دل على أن العقد هو المثبت للإمامة دون القهر والله أعلم.

ويقال له: أرأيت الإمام المجتمع عليه إذا كان بالمغرب مثلًا، وله جند وأعوان وأنصار يسمعون له ويطيعونه ويضطرون كل مناولة إلى طاعته في القرب، إلا أنه إن ظهر له مخالف بالمشرق ولم يكن له أن يجهز الجيش إليه، لأن بينه وبينه بحار وبراري خالية خاوية. أيقول: إن طاعته تلزم أهل المشرق؟ فإن قال: لا. قيل: فلأهل المشرق أن ينصبوا إمامًا سواه. فإن قال: لا. قيل: فيكونون منهمكين لا إمام لهم.

فإن جاز هذا، لم لا جاز أن يحلوا الناس كلهم من الإمام، وإن قال نعم. فقد أجاز أن يكون للناس إمامان وفي هذا تعطيل فائدة الإمامة، لأن فائدتها أن تجمع كلمة الأمة، وفي توزع الناس بين إمامين، تفرق الكلم وتشتت الآراء، وتخرب الأحزاب، فصح إذًا أن طاعة الذي اجتمع عليه بالمغرب يلزم أهل المشرق وإن لم يكن قاهرًا لهم.

ويقال له: ما أنكرت أن الإمام العادل ظل الله في الأرض والله تعالى قاهر قادر لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، فسواء وهنت يد الإمام أو لم تهن. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يتكلم عن الله عز وجل، كانت النبوة له ثابتة والطاعة له واجبة، وهنت بد

<<  <  ج: ص:  >  >>