للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

ولا يقضي أحد بين اثنين وإن حكماه ورضيا بحكمه فليس القضاء إلا للإمام ولمن ولاه، ولا يحد حدًا خالصًا لله عز وجل إلا بإذن الإمام، فإن حده بغير إذنه، فإن كان ذلك قتلا أو قطع جارحة، فقد فات. فإن كان جلدًا أعاده الإمام عليه. وهذه أبواب تتفرع، والجملة إن ما لم يلق به تسليط العامة عليه ولا تفويضه إلا ما يجب عليه من الإفراد فهو إلى السلطان، فما كان إليه فليس لأحد أن يغتاب عليه فيه والله أعلم.

ولا ينبغي لرعية السلطان أ، يتحسسوا أخباره ويبتغوا عوراته، ويتطلبوا عثراته، ويستشعروا خلافه، ويبغوا الخروج عليه للأسباب والغرض به.

ولا ينبغي إذا رأى أحد من سلطانه شيئا يكرهه أن يشتمه أو يذكره بسوء، وإن ضاق به صدرًا أن يلعنه، لأنه ظل الله في الأرض، والتهيب والإجلال أليق بمحله، وزينته من الاحتقار والإذلال، ومما جاء فيه عن السلف قال: كان عبد الله بن عامر يخرج، ويخطب الناس عليه ثياب رقاق، مرجل شعره، وأبو بكرة إلى جنب المبر، فقال أبو بلال: من ذا يراد به ألا تنظرون إلى أمير الناس وسيدهم يتشبه بالفساق ويلبس الرقاق، فسمعه أبو بكرة. فلما صلى الأمير ودخل، قال أبو بكرة لابنه: ادع لي أبا بلال. فدعاه، فقال له أبو بكرة: قد سمعت قولك في الأمير آنفًا، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أهان سلطان الله أهانه الله، ومن أكرم سلطان الله أكرمه الله) وجاء في اللعن ما معناه. النهي. لأنه إذا لعن لم يؤمن أن يجاب فيزداد شرًا.

وفيما جرى معنى آخر، وهو أنه ربما وقع إليه الخبر فيكون منه إلى من بلغه القبيح عنه بعض ما يكره. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه. قيل: يا رسول الله، وكيف يذل نفسه؟ قال يتعرض من البلاء لما لا يطيق).

<<  <  ج: ص:  >  >>