للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشرته، ويكون له من الجماعات والأعياد غير دخول الوفد عليه غير ما يلبسه في سائر الأيام، وعند دخول العامة عليه غير ما يلبسه مع الخاصة، وعند خلوته غير ما يلبسه مع الناس، وبالليل غير ما يلبسه بالنهار.

إلا أنه يتحرى في كل ذلك يكون قصدًا لا طغيان فيه ولا اختيال. ويقتني من الخدم من تقع له الكفاية ويعد لنفسه ولهم الأسلحة والدواب، ويحلي مراكبه بأدنى ما يعرف به تجملًا، وكذلك سفيه ومنطقته، ويقيم لخدمه معايشهم، ويزيح فيما يحتاجون إليه عللهم وإن اقتنى أحرارًا يعملون له بالأجرة فذلك جائز، وإذا كان هذا هكذا، فينبغي له أن يتخذ دار تسعة وخدامه وخزائنه التي يخزن فيها وأسلحته، وحارسًا، إن كان له، وأن يرتب بالباب من لا يدخل عليه في غير وقت البروز للناس إلا بإذنه وهذا كله من بيت المال، وإذا قام بحفظ المسلمين وقصر أيدي العدوان بعضهم عن بعض وتعهد السبل ونقصها عن الدعاء والجواب، ووفى المسلمين كل حق يلزمه لهم لأنه العامل لهم، وما يأخذه فمنزلة الأجر، وإنما يستحق العامل الأجر إذا وفى العمل.

فإن قيل: إن الذي كتبتموه من وظائف الإمام يخالف المعهود من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين لأنهم لم يبسطوا في مال المسلمين هذا التبسط، فهلا قلتم إن سئل الأئمة أن يقتصروا على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه أنهم اقتصروا عليه؟

فالجواب: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساس الناس بسلطان النبوة وكان الله عز وجل أخبره أنه يعصمه من الناس وألهمه الرأفة والرحمة بأمته، فكان يحب السكينة تواضعًا لله عز وجل وتسلية للمساكين، حتى إذا نظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكابد مثل ما يكابدون خف عنهم ما يجدون، وطابوا نفسًا بما يقلون، وكانت هيبته ممكنة في صدور الناس متسلطة على نفوسهم بمجرد ما كان مقدر من مكانه ومنزلته عند الله تعالى، ويخشوه من وجوب النار عليهم إن عصوه وازدروا أو ضيعوا حقًا من حقوقه فلم يؤدوه. فلم يحتج مع ذلك كله أن يحمل على أعينهم بشيء مما سبق ذكره. ولا أن يكثر بمتاع الدنيا مع علمهم بتوفر حظه من نعيم الآخرة. وأما ولاة الأمر بعده فلم يحتاجوا إلى التكليف الذي وصفناه لقرب عهد الناس بزمان النبوة ولأن تلك الرعية لم تكن شاهدت قبل ذلك سلطانًا مباينًا

<<  <  ج: ص:  >  >>