للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للعامة في نفسه وحاله وطعامه ولباسه وفرشه وآلاته، فيحتاج ولاة أمورهم لذلك إلى أن يتكلفوا في هذه الأبواب، ما يضاهي حال من شاهدوا خيلًا توازي لهم رعاياهم، فلا يصير ذلك سببًا لفروغهم من طاعته واتباع أمره وإنما كان أمرًا مستأنفًا والحال غيره، ويستوجبه إلى الزيادة على ما كانوا عليه، فلما تبدلت العادات، وصار الإمام محتاجًا إلى سياسة الرعية بأكثر مما كان أولئك يسوسونهم كما ساسهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهيبة، ثم أبو بكر رضي الله عنه بالكلام، ثم عمر رضي الله عنه بالدرة، ثم عثمان رضي الله عنه بالسوط، ثم علي رضي الله عنه بالسيف، فكذلك لما تفاقم الأمر بعد وأثناء أداء الشغل، فاحتيج إلى أن يسوس الإمام الناس بالانقباض عنهم وترك التواضع والتطاعن لهم، وكان ذلك لا يكون إلا بالارتفاع في المطعم والملبس والمسكن والمركب عن حد ما يسمونه، فله أردناه أو صنعه كان له من ذلك مالا يجحف بمال بيت المال، ولا يلتحق بحدود السيف والطغيان. وأما ولاة الإمام بقدر كفاياتهم من بيت المال كما يراه ويؤديه إليه اجتهاده والله أعلم.

ذكر أحكام المتغلبين: وإذا غفل الناس عن نصب الإمام فتغلب رجل بقوة كانت له على بلد، رضي أهل ذلك البلد بإمارته، وإن كان في ذلك البلد ممن يتم بهم نصب إمام بينهم أو خارجًا منهم، وأمكنهم ذلك فلم يفعلوه، واحتفظوا على أمير يخصهم فحكمهم وحكم أميرهم حكم البغاة، وإن لم يكونوا بهذه المنزلة فحكم أميرهم في عامة الأشياء حكم التخمين، فإن كان بنفسه عدلًا تولى وولي، وإن كان عدلًا ولم يكن عالمًا ولي بالمشورة ولم يتول وهذا، لأنه لو كان للناس إمام لكان أخطأ لهم به، أن يبعث عليهم أميرًا ينوب عنه في رعايتهم. فإذا لم يكن إمام، قاموا بإيصال هذه الحطة إلى القيام بأنفسهم مقام الإمام، أو كان كما أنه إذا مات ميت ببلد ولم يخلف وارثًا، لم يجز لأحد أن يتصرف في ماله فيجهزه ويقوم بكفايته إلى (أن) يدفن إلا إذن الحاكم. ولو مات في بادية حاكم بها يتولى ذلك من يحضره من المسلمين، ولم يكن عليه عزم، لأن الحاكم لو حضر لكان عليه أن يطلق ذلك له من ماله، فإذا لم يقدر عليه لم يسع إهماله وتضييعه، فكان من يحضره قائمًا فيه مقام الحاكم. وهكذا الرجل يكون له على آخر دين، فإن نكره وكانت عليه بينة واستحلفه فحلف ووجد له مالًا لكان له أن يأخذ من جنس

<<  <  ج: ص:  >  >>