ماله نبا في أمره، فيصير ذلك سببًا لانحلال عقده وانفصام عزله، حتى لا يرى بعد اسمه شيء سواه. وما أخلق بذلك من لا يراقب ربه، ولا يعرف حقيقة مجلسه الذي أجلسه، والاسم الذي سمى بنفسه، {ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور}.
فصل
فإذا دعا الإمام رجلًا إلى القضاء، فينبغي له أن ينظر في حال نفسه، وحال الناس الذين يدعى إلى النظر في مظالمهم. فإن وثق من نفسه بالاستقلال والكفاية والاقتدار على أداء الأمانة، وعلم أنه لم يقبل صار الأمر إلى من لا يكون من المسلمين مثله، فأولى به أن يجيب إلى ما يدعى إليه ويقبله، ويحسن إليه في مثوله، ليكون ما يعمله من تعبد لوجه الله تعالى بأجره به في الأخرى، وإن كان يرزق عليه في الدنيا وإن كان إذا امتنع وجد من يقوم مقامه ويسد مسده، فهو بالخيار والتمسك أفضل. فأما إن لم يعلم من نفسه الاستغلال، أو لم يأمن أن يكون منه سوى التمسك وقلة التمالك، فلا ينبغي له أن يجيب. وهكذا إن كان هناك خير منه علما وعقلًا وخلقًا، وإن عرض الأمر عليه، فلا ينبغي له أن يتسارع إلى ما يدعى إليه لينظر ما الذي يكون من الآخر، فإن المستصلح للحكم فقيرًا لا يهتدي إلى كسب ولا يجب أن يقبض من العلم الذي عنده بعمل دنيء يعمله، فيعرض للحكم ليرزق من بيت المال كفايته فيستغني به ثم لا يجزى ولا يعمل ولا يرشي، فلا بأس عليه من ذلك. وينبغي للإمام أن ينظر في أمره، فإن كان محتاجًا إلى مثله ولاه. ويجوز له أن يصرف عناء عن العمل لأجله. وإن اقتناه وأنفق عليه من بيت المال إلى أن يحتاج إليه، فذلك أحسن. فأما أن يصرف محتاجًا مثله وأحوج منه، فلا ينبغي أن يفعله، وإذا ظهر له من حاكم العدل والأمانة، ووقفت لأهل عمله إليه الإساءة، وبدت في أمورهم مكانة الاستقامة، فلا ينبغي له أن يصرفه عن عمله إلا بظاهر فضله من كل باب عليه، فأما بمثله أو بمن يقارنه، فإن ذلك غض منه وسوء نظر للرعية. وإزالة الأمر عن نظامه الذي لا يدري أنه يعود بالتالي إليه أو لا يعود، وإن كان التعرض للحكم والخاطب له غير محتاج