إليه، وكان الحاكم بالبلد الذي يطلب هذا عمله. قد أظهر ما يوجب عزله، فأراد هذا: يعرض نفسه الاحتساب في صرفه، فذلك عذر يجوز أن يجاب إلى مراده لأجله. وهكذا إن كان أمر القضاء ضائعًا، فيتعرض له ليحيه أو ليتشرف به مدينًا، وكان من أهله استحق أن يجاب.
فقد خطب إبراهيم صلوات الله عليه لأمانة لذريته شرفًا بها. وخطب يوسف عليه السلام الخزائن نظرًا للمسلمين واحتياطًا لهم. فلم ينكر الله تعالى ذلك عليهما، وإن كان المتعرض إنما يطلب الحكم شرفًا وطمعًا، واستطالة على الناس وبذخًا، فلا ينبغي للإمام أن يوليه، وكل ما ظهر للإمام قصوره في العلم عما يحتاج إليه أو فيه أو تهوره فحرام عليه أن يستقصيه.
فصل
وقد وردت في تقلد القضاء آثار تزهد فيه، بل توجب التحرز والفرار منه. من ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين). وعنه صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يحكم بين الناس إلا جيء به يوم القيامة وملك أخذ بقفاه حتى يقف به على شفير جهنم. فإن أمر به هوى به في النار سبعين خريفًا).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سنة أيام، أعقل أبا ذر، ما أقول لك! ثم كان اليوم السابع، قال: أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته، وإذا أسأت فأحسن، ولا تسأل أحدًا شيئًا، وإن سقط سوطك فلا تؤمن أمانة، ولا تولين يتامى، ولا تقض بين اثنين).
وقال عثمان لابن عمر رضي الله عنهما: اذهب فكن قاضيًا! قال: أو تعفينني يا أمير المؤمنين! قال: فإني أعزم عليك. قال: لا تعجل علي، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: