(من عاذ بالله فقد عاذ معاذًا). قال: نعم. قال: فما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من كان قاضيًا يقضي بجور كان من أهل النار، ومن كان قاضيًا يقضي بجهل كان من أهل النار ومن كان قاضيًا عالمًا يقضي بالعدل فبالحري أن يتفلت كفافًا، فما أصنع بهذا؟). وقال بعضهم ذكرنا أمر القضاء عند عائشة رضي الله عنها فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يجيء بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في غرم قط). وقال صعصعة بن صولان: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذي قار وعليه عمامة سوداء قال: أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه ليس من قائل ولا قاضي إلا يؤتى به يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله تعالى على صراط، ثم ينشر الملك سيرته، فيقرأها على رؤوس الخلائق. فإن كان عدلًا نجاه الله بعدله. وإن كان غير ذلك انتفض به الصراط انتفاضة صار بين كل عضوين من أعضائه مسيرة مائة سنة، ثم ينخرق به الصراط، فما يتلقى قعر جهنم إلا بوجهه وحر جبينه).
وجاء مثل ما دلت عليه هذه الأخبار عن الصحابة والتابعين. روى عبد الرحمن ابن الأزرق- رحمه الله- قال: كنت جالسًا عند ابن مسعود الأنصاري، فدخل رجلان المسجد، فقالا: من يتناقد بيننا رحمه الله؟ فقال رجل من خلفه: إلي جئني أنا. فأخذ أبو مسعود قبضة من حصى فرماه، وقال: لا تسارع إلى الحكم.
وقال أبو بردة رضي الله عنه: لقينا ابن عمر، فقال: لقي أبي أبا بكر في بعض ما كانا يلتقيان، فقال له: أني أبشرك، إن عملك علي عشرة تكون كفافًا ولا أجر، ولا وزر، ويخلص لك عملك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو موسى: والله لقد دخلت البصرة ولحقني بها ناس فعلمتهم القرآن والسنة، وغزوت بهم في سبيل الله فإني لأحتسب فضل ذلك عند الله. فقال له عمر: ثكلتك أمك يا أبا موسى، لكني- والله- لوددت أن أنجو