للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوم سلم على جميعهم. وإن كان مجلسه في مسجد فدخله سلم ثم لم يجلس حتى يصلي ركعتين فإذا سلم سأل الله التسديد والتوفيق والعصمة، واستعاذ به من الميل والحيف وسوء الفهم والجهل والنسيان والكسل، وحرم على العدل والرفق وتحسين الخلق والصبر ثم جلس مجلسه، وليبدأ عمله. وينبغي للحاكم أن يكون عنده من يحفظ نوب الناس، فيقدم الأول فالأول ويجلسهم مجالسهم، وإذا اشتد على خصم إحضار خصم أنفذ من يحضره، ويكون الحاكم قد أطلق له ذلك كله، وأن تحضره جماعة أن احتاج إلى إنقاذ وأخذ في حاجة أو شغل أنفذ أحدهم، ويكونون تقاة مرضيين، روى أنه صلى الله عليه وسلم كان معه عشرون شابًا من الأنصار يلزمونه بحوائجه وإذا أراد أمرًا بعثهم فيه. وإن كان الحاكم مع علمه متلبدًا يحتاج على من يعينه، فينبغي أن يحضر مجلسه جماعة من أهل العلم واحد أو أكثر حتى يعيناه بالأمر، أمده جليسه، وإن كان نافذًا في الأمر فحسن أن يحضر مجلسه جماعة من أهل العلم يشاورهم فيما يحتمل وجهين فأكثر. وإذا كان لا يفتي بالحكم فليفرد ولا يحضر أحدًا، ثم ليدع في غير مجلس الحكم من يشاوره ويستعين برأيه. وإذا شاور في مجلس الحكم، فلا يشاور في مظلمة الخصمين بمشهدهما لئلا يقفا على ما يجري فلا يجد واحد منهما في بعض ما يسمع عليه فيلجأ إليها في مدافعة خصمه.

قال عبد الرحمن بن سعيد: رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه جالسًا في المسجد فإذا جاءه خصمان، قال لهذا: ادع عليًا، وقال للآخر ادع طلحة والزبير ونفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فإذا جاءوا وجلسوا، قال لهما: تكلما، فإذا تكلما أقبل عليهم فيقول: ماذا تقولون؟ فإذا قالوا ما يوافق قوله أمضاه. وإلا نظروا بعد، فيقومان وقد سلما. ومعنى هذا أنه إذا كان لم تظهر له صحة قول من يشاوره في المجلس لم يحبس الخصمين على المناظرة والمقابلة بين الأقوال. أما أن الرأي في أول أمره غير موثوق به، فلو ناظرهم فبدا له في أحد الاكراء رجحان، فعجل وقضى به لم يأمن أن يرى إذا أنعم النظر غيره أرجح منه بدلالة أقوى من التي عاد بها رجحان الأول. فإذا كان كذلك فالأشبه أن يصرفهم إلى أن ينعم النظر ثم يعود إليه في وقت آخر، فيقضي بينهما به، وأما أنهما غير مختصمين بالخصومة، ووراءهم أناس غيرهما، فلو حبسهما عن المناظرة في أمرها لتضرر بذلك غيرهما، ولعل النظر لا يتناها في الأمد ارتفاع النهار وانتصافه، وذلك وقت القيام، ويفرق الناس فيكون الإثنان قد استأثرا بالقاضي ومجلسه يومهما ذلك، وهذا غير جائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>