وقال بعض العلماء: أن عثمان إنما كان يستشير على أعين الخصوم، لأن الناس لم يكونوا فسدوا، ولم يعلموا وجوه المرافعات والمغالبات، وكان الصلاح والإنصاف غلب عليهم، فأما اليوم مع فساد الناس وسوء الدجل والنيات، فلا ينبغي أن تكون مشاورة القاضي غير الأسرار من الخصوم والله أعلم.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: رأيت شريكًا جالسًا في المسجد على القضاء، معتمًا بعمامة بيضاء، قد ألقى طرفيها من كتفيه، عليه مطرف خز، ورأيت ناسًا من العلماء يجالسونه على القضاء، منهم أبو عمر الشيباني، والشعبي. وقال إدريس الأودي: رأيت مخلوق بن دينار يقضي وحماد والحكم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، ينظر إلى حماد مرة والحكم مرة، والخصوم بين يديه.
وكان أياس بن معاوية لما ولي القضاء يحضر مجلسه زياد بن محرق وهشام بن حسان وغيرهما من شيوخ البصرة. وقال أيوب: كان الحسن يحضر منصور إذا كان مجلسه، إذا جلس للقضاء، وحميد بن عبد الرحمن الحميدي، وكان حماد بن أبي سليمان يحضر مجلس الشعبي للقضاء.
وقال ربيعة: ما أدركت قضاة هذا البلد إلا وهم يحضرون مجالسهم إذا جلسوا للقضاء خيار المسلمين. وفعل ذلك عبيد الله بن عمر.
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال لرجل: قاضي ما أنت؟ قال: قاضي دمشق. قال: فإذا جلست، فقل: اللهم أني أفتي بعلم، وأني أقضي بحكم، وأسلك العدل في الغضب والرضا.
وقال الحسن بن عبد الله الغبي، لما ولي محارب بن دينار القضاء أتيته وقد دخل المسجد، فصلى قبل أن يجلس أربع ركعات، ثم رفع يده يدعو فقال: اللهم إن هذا مجلس لم أحبه قط ولم أسلكه، اللهم ابتليتني به، فسلمني منه وأعني عليه، بكى حتى بل بدموعه خرقة كانت في يده، ثم قال لي: أمسلم أنت أم معز؟ قلت: بل جئت مسلمًا، قال: ثم ولي ابن سيرين فأتيته، فلما دخل المسجد صلى أربع ركعات قبل أن يجلس فلما سلم قال: اللهم إن هنا مجلس كنت أشتهيه وأتمناه عليك، اللهم فكما ابتليتني