عاد، فأقامهما ثم عاد فقضى بينهما. فقيل له! فقال: إني وجدت لأحدهما ما لم أجد لصاحبه فعادا، وقد ذهب بعض ذلك، ولم يذهب كله، ثم عاد وقد ذهب ذلك، ففصلت بينهما.
وعن إبراهيم قال: جاء ابن عصفير، فخاصم رجلًا إلى شريح، فجاء حتى جلس معه على الطنفسة. فقال له شريح: قم فاجلس مع خصمك، إني لا أدع النظرة وأنا عليها قادر. وقال شريح: ما شددت على غصة خصم ولاقيت خصمًا عجه. وذكر الشعبي: أنه كان بين عبد الله بن شريح وبين رجل خصومة، فقال لأبيه: إن بيني وبين فلان خصومة، فإن كان الحق لي فاعلمني- يعني أخاصمه إليك- وإن كان علي لم أخصمه. قال له: خاصمه، فخاصمه فقضى عليه. فلقيه بعدما انصرف، فقال: ما رأيت مثلك، ولولا أني تقدمت إليك لعذرتك. قال: يا بني، لما عرضت علي أمرك كان القضاء عليك، فكرهت أن أخبرك به، فتذهب إلى خصمك فتصالحه، فيقطع من ماله شيئًا لا يحل لك، فلذلك لم أخبرك. وإنما حاكم ثبت عزمه على العدل، فلا يقبلن من خصم هدية. وليعتبر بما يروى أن رجلًا أهدى إلى عمر رحل جزور، ثم جاء يخاصم إليه، فجعل يقول: أمير المؤمنين، أفصل بيننا كما تفصل رحل جزور. وعمر لا يفهم، ثم فهم. فذكر ذلك للناس، فقال: ما زال يكررها على حتى كدت أقضي له، وإنما أراد بذلك أن الشيطان كان يوسوس إليه أن اقضي له، وإلا فقد كان أصلب دينًا وأقوى عزمًا من أن يهم بالجور، وبالله التوفيق.
وينبغي أن يكون جلوس الخصمين بين يدي القاضي، ليمكنه أن ينظر إليهما نظرًا واحدًا، ولو أجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ولم يمكنه إلا أن يلتوي نحو كل واحد منهما إذا أراد أن يكلمه، وجلوسهما بين يديه، أقدم وأعدل، وإلى تعظيم حكم الله أقوى.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض لأحدهما حتى تسمع من الآخر). وروى أنه كان بين عبد الله بن الزبير وعمرو بن الزبير خصومة،