للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسهر والحمى). وكما يجتهد المظلوم من دفع الظلم عن نفسه، فكذلك ينبغي لأخيه المسلم أن ينصره ويعينه على دفع الظلم عنه والله أعلم.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب إعانة اللهفان). ومعلوم أنه أراد: اللهفان مما مسه من الظلم وإعانته، إذًا يكون بنصره، ورجع الحديث إلى معنى واحد والله أعلم.

فصل

وإذا رأى رجل رجلًا غصب ماله أحد واختلسه وانتهبه، فقدر على استرجاعه منه، أو رآه حين يفعل ذلك، فقدر على منعه، أو رآه يهم بقتل رجل أو بأخذه أو بحبسه، وعلم أنه ظالم من فعله، وقدر على تخليصه فعليه أن يبلغ في كل واحد منهما أقصى ما يقدر عليه. وإذا أسر المشركون أسيرًا من المؤمنين فعليهم إذا قدروا على تخليصه أن يخلصوه، وكذلك إن أخذوا من المسلم مالا. وإن كان الكف عن الظلم في هذه المسائل لا يتم إلا ببذل مال، فالأولى بذله إلا ذلك لا يلزم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبان بقوله من قبل (دون ماله) فأولى أن لا يلزمه أن يفدى بعشر غيره، أو ماله بماله. ولكن لو لقى رجل مسلمًا قد أشرف على الهلاك من جوع أو عطش أو عري تداركه، وذلك لا يكون إلا بالمال وهو يجده، فعليه أن يتداركه به. فإن سمحت نفسه بالبر فيه فذلك أزكى له. فإن قصد العوض، فقد قيل له: أن يرجع به عليه. والفرق بينهما أن الذي هم ظالم بقتله، له أن لا يفتدي، فإن قدر على الافتداء، لأن القتل له شهادة، وكذلك لغيره أن لا يفديه وأما الجائع، فلو وجد طعامًا لنفسه يأكله لم يجز له أن لا يأكل حتى يموت. وكذلك غيره، إذا رأوه مشرفًا على الهلاك من الجوع وعنده فضل طعام، لم يكن له أن يحبسه عنه حتى يموت. ولو رأى رجل عدوًا أخذ ماله، كان له أن يفتديه بشيء دونه فيسترده، فكذلك لا يلزم غيره هذا في ماله والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>