بالاسترقاق، لأن حقهما عليه يقتضي أن يخفض لهما جناح الذل من الرحمة. والاسترقاق استصغار واستذلال، فاستحال يستذل من أمر بالذلة لهما، ومن ذلك وجوب النفقة لهما عليه عند الحاجة ليكون سببًا لبقائهما عند حاجتهما إلى معونته، كما كانا سببًا لوجوده. ومن ذلك أن على الابن أن يعف أباه إذا عاد وبصق. وقدر الإبن على إعفائه ليصونه عن الرجم والجلد فلا يناله واحد منهما من قبله، قياسًا على أنه لو قتله لم يضل لأجله، ولو قذفه لم يجلد لأجله. فكذلك لا ينبغي أن يناله في بدنه رجم ولا جلد من قبله، ولو لم يعفه وهو قادر على إعفائه، حتى أوقعه السبق في أحد الحدين لكان ذلك قد أصابه من قبله، لأنه قادر على دفعه عنه بالاعقاف ولم يفعل. فثبت بذلك أن عليه إعقافه.
وذكر بعض العلماء أن الأب لا يحبس في دين الابن، ولم يختلفوا في أنه لا تقطع إذا سرق مال الولد. ومعناه ما مضى، أن ابن الأب سبب لوجود الولد على ما هو عليه من كمال خلقه وتمام إعطائه، فجري عنه بأن لا ينقص شيء منه لأجله، ومن ذلك أن أحد الأبوين إذا وهب لولده شيئًا وسلمه إليه، كان له أن يراجعه إن بدا له.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يحل لأحد أن يرجع فيما وهب إلا الوالد فيما وهب لولده). ومعنى ذلك أن الوالد لا يعطي ولده ماله إلا استزاده به من بره. ولا يرجع عطيته في الغالب إلا لعقوق يظهر منه. فإذا كانت العطية لاستزاده إليه فكانت فيهما عقوق، كانت كما لو وقعت شرط ثواب، فلم يوصل إلى الثواب.
وإذا كانت أحكام الله تعالى موضوعة على ما وضعت، فواجب على الولد أن ينهج في تعظيم الأبوين وطاعتهما المنهج الذي يليق بهذا الموضوع. فإذا أصبح تقدم إلى الأبوين تقدم العبد إلى سيده وسلم عليهما، أو حياهما بأحسن ما تكون التحية، وانتظر ما يأمرانه به ويمثلانه به، فيبلغ فيه ما يسرهما ويرضيهما عنه إن قدر ولم يحل دونه حائل. فإن كان له عذر أخبرهما به غير متضجر من أمرهما ولا مستقل إياه على أرفق وجه وأقربه إلى أن يستوحشا عنه ولا يظنا به خلاف ما عنده، وكان في عامة الأوقات لهما كما يحبان ويرضيان. فإن احتاجا إلى ماله لم يبخل به عليهما. وإن لم يكن له مال، وكان له كسب واحتاجا