للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه كسب عليهما كما يكسب على نفسه، ووفاهما كل ما يفيه نفسه. وإن أراد الجهاد متطوعًا ولم يكن فقيرًا، فمعناه قعد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي يريد الجهاد: (هل لك أبوان؟ قال: نعم. قال: ففيهما الجهاد).

وإذا كان هذا مما يؤمر به إذا كان له أبوان يحتاجان إلى قيامه عليهما، فهما إذا صرحا بالنهي كان ذلك ألزم له وأوجب عليه. وإن خرج إلى الجهاد وهما لا يعلمان، أو علما ولم يتهيآ، أو أذنا ثم بدا لهما فأرادا رده، فواجب عليه أن يرجع ما لم يلتق الزحفان، فإذا التقيا لم يجز له أن يرجع. وهكذا إذا منعاه من حجة التطوع، وإن خرج بإذنهما أو بغير إذنهما، فأراد رده، وجب عليه أن يرجع ما لم يحرم، فإذا أحرم لم يرجع حتى يكمل نسكه. وإذا كان للولد سوق يتجر فيها، فأراد أبواه أن يقيم عندهما ولا يفارقهما، فينبغي له، إن لم يكن له إلى التجارة حاجة، أن ينصب في السوق من ينوب عنه، أو يقارض ماله رجلا ويقعد عند أبويه. وإن كانت له إلى الكسب حاجة، فإن قدر على كسب لا يحتاج إلى مفارقتهما إلا آثر ذلك الكسب على غيره، وأقام عندهما. وإن احتاج إلى الكسب ولم يجد بدًا من الخروج، خرج أقل ما يكفيه ولم يشقق عليهما، عيفا وقته، ثم عاد إليهما واعتذر، وسأل أن يعفوا عنه ويستغفر له والله أعلم.

وإذا احتاج الأبوان إلى خدمة يصلح الولد لها، فينبغي له أن يفيهما ولا يكلهما إلى غيره، وإن لم يصلح لها بنفسه، وقدر على ما يصلح لها بملك وأجاره وتحمل من دين ما يقضي به الحاجة، وتنزاح العلة. وينبغي له أن تكون عامة ما يؤديه من حقوق والديه ويتقلد مكانهما من إحسان مقرونًا باليسر والطلاقة والسلاسة، لا يريان منه تكرهًا وضجرًا ببغضه عليهما. ويجتهد في أن لا يمر به زمان وإن قل وهما عنه غير راضين فيه. وكلما ازداد لهما برًا وإكرامًا، فإن الله تعالى حقق هذه الحال بالذكر فقال: {إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف}. إنما فعل ذلك- والله أعلم- لأن قلوبهما عند ذلك تكون أرق وأخلاقهما أضيق فكان استرضاؤهما على الولد أشق. فكذلك زاده الله تعالى وصية بهما في هذه الحالة فوق ما وصاه بهما في عامة الأحوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>