للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينقل إلى الأجانب، فيزداد عما إذا تفكر عند دنو أجله، أنه يفارق ماله إلى من لا يرعى حقه فيه. ولا يذكره إذا انتفع به، وتقلب فيه بدعاء ولا غيره، وسيد الأمر عليه في مفارقته. وأما الحي فمن حيث أنه يسكن عنه غير حميمه الذي فقد، بأن استخلف في ماله وأوثر به على الأجانب الذين ليس لهم مثل حقه، ولولا ذلك عه بموت قريبه أكثر، ومصيبته به أشد. ويشتمل التوريث على النظر لهما جميعًا، وأبان أن أحدهما إذا كان أولى من الآخر بعد الموت فهما بأن يكونا كذلك في حال الحياة أولى ليتعاشرا كمتواليين لا تعاشر الأصلين، وبالله التوفيق.

ولأجل دلالة التوريث على عظم الحق المراعى فيه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت- أو قال خشيت- أنه سيورثه). فدل هذا القول منه على أنه يورث القرابات بعضهم من بعض إنما كان لعظم الحقوق التي لبعضهم على بعض. إذا كان لما سمع جبريل يعظم في قلبه حق الجار، خشي أنه يبلغ به حق القرابة فيورث به وبالله التوفيق.

وقد كان الناس من قبل يتوارثون بالموالاة والمعاقدة، فلما نسخ الله تعالى ذلك وأبطله قال: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}. فنهاهم على أن المال إذا خرج من ملك الميت، فقد تخلف عنه من هو كالشقيق، أو من أبيه، أو من أمه فهو أولى بأن ينزل من ماله ميراثه من الخليف. والولي الذي لم يكن ببنه وبينه إلا الحقد قد ماتت مقاصده لموته، ولم يكن لازمًا له في حياته. ولما أدخل في حكم الميراث من ليس بقريب وهو المعتق نسبه النبي صلى الله عليه وسلم ألحق الواجب من قبل العتاقة بالنسب، فقال: لولا لحمه كلحمة النسب، وسماه ما لا يدل به على أن المعتق أولى الناس بالمعتق، كما أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض. فثبت بما ذكرنا أن سبيل أولي الأرحام أن يكونوا آمنوا لينين متناصرين ليعزهم الله تعالى بإعزاز بعضهم بعضًا، وذلك عاجل ثوابهم فلا يتخاذلون فيخذلهم بخذلان بعضهم بعضًا وذلك عاجل عقابهم. ألا ترون أن نبي الرحمة مع لينه وسماحته ورأفته بالقريب والبعيد من أمته كيف اشتد عليه فراق بني أمية وبني نوفل إياه أيام الشغب، وانحيازهم إلى أعدائه من قريش حتى أخرجهم

<<  <  ج: ص:  >  >>