ويسره أن يرده. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لو دعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهدى إلي كراع لقبلت).
وإن جهل عليه جاهل تجافى عنه لم يقابله. قيل في قول الله عز وجل:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}. معناه: قالوا قولاً سالمًا من العيب ولم يقابلوا الجهل بالجهل. وقال عز وجل:{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}. وقد ذكرنا أنه جاء في تفسيره: صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك. وهذه مكارم الأخلاق. والخلق الكريم هو الحسن الذي ينفع صاحبه بأن يعود عليه بالحمد وينفع غيره منه بأن يزهق به. والخلق الحسن قد يكون غريزة وقد يكون مكتسبًا، وإنما يصح اكتسابه لمن كان في غريزته أصل منه فهو يضم باكتسابه إليه ما يضمه. ومعلوم في العادات أن ذا الرأي يزداد بمجالسه الصلحاء صلاحًا، والعامل يزداد بجالسة العقلاء عقلًا. فلا يمكن أن يكون ذو الخلق الجميل يزداد حسن الخلق بمجالسة أولي الأخلاق الحسنة. ثم ينظر في أمره، فإن كان ما اكتسبه قد علق بنفسه ورسخ في قلبه جرى ذلك مجرى الغريزي، وإن كلما عرض له أمرًا يحتاج إليه حسن المحلق لم يتأت ذلك منه إلا بالشكر أو نفسه، قيل له: متخلق. وكان معناه مرضيًا ونفسه غير محمودة حمد النفس التي تطوع بالبر والإحسان وبالله التوفيق.
ومن فروع هذا الباب لين الجانب والتواضع وترك الزهو والصلف والخيلاء والفخر والتمدح. وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(جاء أهل اليمن هم أرق إفادة، وألين قلوبًا، والإيمان يمان والحكمة يمانية، والسكينة في أهل الغنم، الفخر والخيلاء في القراد من أهل الوبر قبل مطلع الشمس). وعنه أنه قال:(ليس الشديد الصرعة: قالوا: وما الشديد يا رسول الله، قال: الذي يملك نفسه عند الغضب). وعنه أنه قال:(المسلمون هينون لينون كالجمل الأنف، إن قيد انقاد وأن أنيخ على هجرة استناخ).