للأنف الذي عقره الخطام، فهو لا يمتنع من قائد اللوح الذي بيده. قال: خير بن مطعم يقول: آن في النية، وقد ركبت الحمار واعتدلت الشاة، ولبست الشملة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من فعل هذا فليس فيه شيء من الكبر). واصل التواضع ما كان في العبد لله عز وجل وهو الخضوع والخشوع والانقياد لأوامره ونواهيه بالقبول أولًا، وتقبل الطاعة له فيها كلها عالمًا بوجوب تلك الطاعة، وقصدًا فيها إلى القيام بالواجب ثم الفعل لما امر به والكف عما نهى عنه، وكل من أطاع الله عز وجل، وهو غير مستشعر في نفسه إبداء ما يطيعه، لأن طاعته واجبة عليه ولازمة له، وكان عنده أنه ليس يطيعه إلا لنيله فليس بمطيع. إنما المطيع من تكون الرغبة في الثواب من زوائد قصده في الطاعة، لا من يكون ذلك علمه طاعة وسببًا، ومهما أخلص الطاعة لعلمه بوجوبها، فقد خضع وخشع وقد مضى ذكر الخشوع في باب الرجاء والخوف وذكرنا ما يتصل منه بأمر إبليس على وجه سوى ما عليه العامة. لأن المستبق بين الناس إن كفر إبليس إنما كان من قبل استكباره على الله عز وجل بأن لم يطعه في السجود لآدم، ويحتجون بقول الله عز وجل {إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} وقوله عز وجل: {فما يكون لك أن تتكبر فيها، فأخرج إنك من الصاغرين}. ونقول: إبليس إنما استكبر على آدم صلى الله عليه وسلم، لم يكن يمتنع من السجود لله عز وجل بترك السجود لآدم، والتكبر على الأنبياء عليهم السلام. فإن كان كفر. فليس عند هذا المحتج بيان أن آدم في ذلك الوقت كان قد أكرم بالنبوة فيهم بذلك احتجاجه، فلم يكن استكبار إبليس على الله أن لا يسجد لآدم إنما كان استكباره على الله عز وجل بأن ظلم الله تعالى وسفهه وأضاف إليه أنه يضع الأمر غير موضعه، فيقول له: اسجد لآدم، وهو خير منه، لأن يسجد آدم له أولى من أن يسجد لآدم. فكان هنا علة كفره، والله أعلم.
فأما ما يدل على أن الخضوع لله من أركان الإيمان فهو أن الخضوع إنما يقتضي عن العلم بالحاجة إليه، وإن عنده ما به الحاجة، وإنه مالكه، والآمر فيه إليه إن شاء أعطى وإن شاء منع. فلما كان اعتقاده هذه المعاني كلها إيمانًا، كان ما ينشأ عنها من الذلة لله عز وجل