للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما العقيقة فلا تنكر كثرة الأضاحي، لكنها تنفق مرة بعد واحدة في أوقات متراخية، ولا تكثر كثرة يحتاج الذين يعطونها إلى ادخار بعضها، لكن يمكنهم أن يتعجلوا أكلها. فكان أولى والأحسن أن يكفوا مؤونة الإصلاح والطبخ ليقضوا حاجتهم منها عاجلًا، والله أعلم.

ووجه آخر، وهو أن الطبخ كفاية شغل، وإن أخذ علة فاستحب تفاؤلا للمولود بوقوع الكفاية له في رزقه ويرتاح عليه في معيشه والله أعلم.

وأما أن الناس لا يدعون إليها، فقد حولقنا فيه. فروي عن أبي جعفر أن أباه علي بن الحسين رضي الله عنهم، كان إذا ولد (له ولد) جعل طعامًا ثم دعا عليه ما شاء فأكلوه. فيحتمل أن هذا كان شيئًا يفعله وراء العقيقة. فكان يعق عن الأولاد ثم يولم سرورًا بالولد، كما يولم إذا تزوج. ومعنى أن الناس لا يدعون إليه، لأن ذلك ليس مما يفعله المولود له سرورًا بالولد، فيكون كالوليمة، وإنما هو فدية، وهو أن يقام مقام ولده كالأضحية، التي هي فدية، يرجو المضحي أن تقام مقام نفسه. والأضاحي لا يدعى إليها الناس، فكذلك هذا والله أعلم.

وأيضًا فإن الطعام الذي يتخذ للعرس بلحق بأصله وهو الولادة. والولادة لا يدعى إليه الناس. فكذلك الطعام المتخذ لأجله والله أعلم. وأما أن المولود له يجوز أن يأكل منه ويطعم الأغنياء، فلأنه ليس بأكثر من هدي التطوع وأما أنه يبقى فيها ما يبقى في الأضاحي فلا يباع منها شيء، فلأنها دم يتقرب به إلى الله عز وجل ابتداء، فكان كالأضحية والله أعلم.

وأما حكم هذه النسكة عندنا فهو أنها سنة مستحبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر بها. فأما أمره بها فقد رويناه. وأما فعله فقد رويناه أنه عن نفسه بعدما بعثه الله نبيًا، ولا يخلو ذلك من أحد وجهين: إما أن يكون قضى ذلك الذبح الذي قصد فيه وألقاه عند ولادة. وأما أن يكون اعتبر حاله حين بعثه الله نبيًا بحال الخارج من بطن أمه، فذبح عن نفسه كما يذبح عن المولود. وأي واحد من هذين كان، فهو دليل على أن العقيقة سنة مستحبة مؤكدة، لأن غير المولود لا يقضي، وغير السنة الثابتة لا يقاس عليها، فلا يحق بها غيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>