للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آدم صلى الله عليهما وسلم، ولم يكن لهابيل ابن يعرف، وإن كان أراد غيرهما فليس لي بين وجه من كل أمر.

وقد يحتمل عندي أن سنن الأضحية والعقيقة جميعًا من قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فيقال: إن إبراهيم عليه السلام إنما أمر بذبح ابنه عن نفسه، فلو حل وإتمام ما بدأه، لكانت منزلته في التقرب بابنه كمنزلة غيره في التقرب ببدنته أو بقرته أو شاته. ولما فدى بالكبش، صار الكبش مذبوحًا عن إسماعيل، ثم صار عن إسماعيل بذبح فدايته كان أباه قد أمضى لنفسه القربة التي قصدها منه. ففرع عن هذا أن النصيحة قربة، وأن الذبح عن الولد أيضًا بر وقربة. فإن كان سفيان أراد هذا فقد وفق وإن كان لم يرده والإشكال لازم كلامه.

وفيه قول آخر: وهو أن غرض المولود له في الذبح عن ولده الرغبة إلى الله عز وجل في أن يفدي المولود ما ذبح عنه فيبقيه ويبارك فيه، ويدفع عنه البلاء والآفات والمكاره ولهذا يقال عقيقة عن فلان دمه بدمه ولحمه بلحمه، وعظامه بعظامه وهذا يقرب من غرض التضحية. فإن معناها أن يتصور الضحى بصورة من يدعو ربه، فيقول: إني قدر ارتكبت من الذنوب والمآثم ما لو كان قتل نفسي مطلقًا لأوجبت قتلها عقوبة لها على ما سلف من المعاصي والآثام. فلأن ذلك محظور على ما قد حرمت على أن أقتل نفسي، وأحللت لي بهيمة الأنعام، فهذه منها قربي ونسكي، فاقبلها مني، واجعل لحمها بلحمي ودمها بدمي وعظامها بعظامي، وشعرها وبشرها بشعري وبشري، فاغفر لي. فهذان نسكان متقاربان، وهما يفترقان في أن أحدهما من الذابح عن نفسه والآخر عن ولده. وفي أن أحدهما يراد أن تكون فدية للنفس في العاجلة بلا حرام. والآخر يراد به في أن تكون فدية لها من تبعات المعاصي والآثام. ثم هما فيما وراء ذلك سيان والله أعلم.

وأما توجب الحلق باليوم السابع وضمه إلى الذبح والتصدق بوزن شعره فضة وتجنيب الدم وتلطيخه بالحلوق، مع ما استخشاه من الذكر الذي يقال عند الذبح. فإن كل ذلك مما جمعه حديث واحد، وتفرقت بجميع ذلك عدة أخبار. روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعق عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية

<<  <  ج: ص:  >  >>