للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسيب: كانت العقيقة في سلف هذه الأمة، كانوا يعقون عن المنفوس يوم سابعه. وأفتى بذلك القاسم بن محمد، وعرفة، وعطاء بن أبي رباح، وأبو الزناد، والزهري. فكيف يجوز أن يقال: أن المتقدم ينسخ المتأخر. وهذا كما قال، وفيه بيان أن الدم الذي نسخ للأضحى ليس إلا الفرع والعنيزة، لأنهما كانا جاهلين متقادمين. وكان الناس يجرون بعد الاسم فيهما على عادتهم. فلا يبعد أن ينسخا بالأضحية. والعقيقة إنما سنت بعد موت حكم الأضحية، فلا يمكن أن تكون الأضحية نسختها والله أعلم.

فإن سأل سائل عن الغرض في دم العقيقة، ما هو؟ قيل له: قال مالك: أنه أنفع في قلبي من العقيقة، أن النصارى واليهود يعملون بصبيانهم شيئًا يجعلونه فيه، ويقولون: قد جعلناه في الدين. فإن من شأن المسلمين الذبح في ضحاياهم. وعق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، فيقع في قلبي من الذبح عنهم أنها شريعة الإسلام، وقد سمعت غيري بذلك. وهذا قاله مالك رحمة الله عليه. فيحتمل وتقديره أن النصارى تغمس أولادها في ما يسمونه المعمود به، فيقولون: صنعنا أولادنا أي نصرناهم. ومعناه: أظهرنا شعارها عليهم. واليهود تفعل ذلك بختان أولادها. وكان المسلمون مخصوصين بالهدايا والضحايا، فشرع لهم أن يظهروا شعار الإسلام على حديثي العهد من صبيانهم بالأولاد، بأن يذبحوا عنهم. لأن الختان، وإن كان مشروعًا للمسلمين، فاليهود مشاركة لهم فيه. فعدل عنه إلى ما لا تقع فيه مشاركة. وهذا بنظير أن اليهود لما كانت تعظم السبت والنصارى تعظم الأحد وتتخذه عبدًا، شرع للمسلمين أن يعظموا يومًا غيرهما ويتخذوه عيدًا والله أعلم.

وفيه قول آخر عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، كان من ولد الذي قرب القربان، فتقبل منه، فصار سنة في العقيقة. وكان من ولد إسماعيل الذي فدى بذبح عظيم فصار سنة في الأضحية. وكان من ولد عبد الله بن عبد المطلب الذي فدى بمائة من الإبل فصار سنة في الدية. وهذا الذي قاله سفيان من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من ولد الذي قرب القربان فتقبل منه مشكل. لأنه إن كان أراد به أنه من ولد ابن آدم الذي قرب القربان فيقبل منه كما ذكره الله عز وجل في كتابه. فالرواة ينطقون على أن ذلك هابيل بن آدم. وأجمع النسابون على أن نبينا صلى الله عليه وسلم من ولد شيث بن

<<  <  ج: ص:  >  >>