للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن احتج محتج بما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الختان للرجال سنة وللنساء مكرمة).

قيل له: أن واحدًا من هذين اللفظين لانقياد الوجوب. لأن السنة هي الشريعة والطريقة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد بين لكم معان سنة فاتبعوها) فأوجب إتباعه فيما سماه سنة. وعن أبي ليلى رضي الله عنه قال: حدثنا أصحابنا أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الرجل أشاروا إليه فقضى ما سبق به حتى جاء معاذ، فقال: لا أراه على حال إلا كنت عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن معاذ قد بين لكم سنة فكذلك فافعلوا). والمكرمة اسم جامع لكل أدب حسن. ألا ترى إلى ما روى أن بعض العرب لما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيما أنزل عليه أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي قال: إني أراه يدعو إلى مكارم الأخلاق. يا قوم كونوا في هذا الأمر رؤساء ولا تكونوا فيه أذنابًا. فإذا كان العدل مكرمة وهو فرض، والإحسان مكرمة وهو مع ذلك فرض. وقد يحتمل معنى الحديث في الفرق بين الرجال والنساء، إن الرجال لم يحسن منهم الختان إلا لأجل الأمر به. فأما المرأة فإن الختان يحسن منها الأمر وغيره. وهو أن لا يقف الزوج على ما يكره. وينفر طبعه عنها فيكون كذلك قد تركا إحسان القيام على نفسها، أم تركه القيم عليها فيها، وخالفا ما هو من الأدب إلى غيره والله أعلم.

فإن قيل: الختان استقصاص، فما أنكرت أنه كقص الشارب وتقليم الأظفار، قيل له: أنه ليس مثلهما، لأن الختان إبانة عضوًا لا يؤمن أن يكون سببًا للتلف، وما كان من الإعطاء فهذه الصفة. فأما أن يكون مستحق القطع كيد السارق، ويد القاطع. وما أن يكون محرم القطع، فأما أن يجوز قطعه لا عن حق واجب فلا.

ولما كان الختان بالصفة التي ذكرت وكان مأمورًا به، دل ذلك على أنه فرض لا خيار

<<  <  ج: ص:  >  >>