للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين فعله وتركه. وأما تقليم الظفر وقص الشارب فإنه زينة لا يخشى فيها التلف بحال فكان كإزالة الدرن عن البدن والله أعلم.

وأيضا فإن الأمر بانتقاص ما لا يستخف من البدن شرعًا وتقييدًا، لا يكون إلا عرضًا كقطع السرة. وما يقرر هذا الاعتدال أن المستقصات أربعة مستخلفان: كالظفر والشعر وغير مستخلفين كالذي يقطع من السرة، وبان من الفلقة، ثم استوى حكم المستخلفين. فكذلك ينبغي أن يستوي حكم غير المستخلفين، والله أعلم.

وأيضًا فإن بقيت الحشفة في الرج قد تعلقت به أحكام كثيرة نحو إيجاب الغسل، وإفساد الصوم، وإفساد الإحرام، ونفور المهر المسمى، وإيجاب غير مسمى، وتحريم الزينة، ورفع حرمة الطلاق، وإيجاب الحد في الحرام. فدل ذلك على أن الحشفة ليست عضوًا باطنًا، ولكنها عضوًا ظاهر في الحكم، فإن كل فعل يعلق من أحكام الشريعة لم يكن ما وقع به بعد ذلك الفعل باطنًا، ولكنه يكون ظاهرًا. وإذا كان كذلك، فمعلوم أن الحشفة مع كونها عورة، حقها أن يستوفى غلاف يحجبها. فلو لم يكن إظهار ما يقطع، ما يواريها عنها واجبًا، للزمها حكم البطون وذلك غير جائز. فصح أنها كانت محلًا للأحكام المعلقة لأنها كالظاهرة بلزوم قطع التواري عنها، كما أن المفلس في حكم المعدوم باستحقاق الغرماء ماله. والنوم في حكم الحدث ما رجا به الإعطاء حتى يتبشر الحدث من النائم، والله أعلم.

فإن قل: أليس اللسان باطنًا، وما الذي هو آلته، والحشفة عند وقوع الفعل الذي هو آلته يزداد استثمارًا، فلو لم يكن لها حال ظهور مثل ذلك، ألزمها حكم التطوع، وذلك غير جائز، ففارق بذلك حكمها حكم اللسان والله أعلم.

فإن قيل: لو كان الختان واجبًا، لوجب إذًا ختن أجنبي صبيًا بغير إذن أبيه، فمات. أن لا يضمن كما لو قتل مرتدًا بغير إذن الإمام، أو قطع سارقًا بغير أمره فمات لم يضمنه. وقد قال الشافعي رضي الله عنه في الإمام: إذا أمر رجلًا أن يختن رجلًا في حر شديد أو برد شديد، فإن على عالميه الدية. وقال فيمن حد رجلًا في شدة حر أو برد فمات، لا شيء عليه. فلو كان ذلك قطعًا مستحقًا لما ضمن كما لم يضمن من مات في الحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>