يدنون إلى أن لا ينفردوا بالطعام، بل يجتمعون عليه في أكثر الأوقات، لأن ذلك في جميعها لعلة لا يعرف ويتعذر، فإنهم إذا فعلوا ذلك تحابوا وتآلفوا وفعلت قلوبهم من الأمن وكانوا لنفس واحدة. فإن جرت الدعوة بهم لم يتفرقوا ولم يخذل بعضهم بعضًا، وكانوا يدًا واحدة على استقبال الأمر فيه بواحدة. وهذا أعظم الفوائد، فما دعا إليه وحرك عليه حرض أن يكون مستحبًا، والنوب إليه واقعًا، والله أعلم.
والوجه الآخر أن يكون المراد به إطعام المجاويع من أهل الملة، والبدأة فيه بذي القربى. قال الله عز وجل:{فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسبغة، يتيمًا ذا مقربة أو مسكينًا ذا متربة}. وأثنى جل ثناؤه على أقوام آثروا على أنفسهم غيرهم بطعامهم، وهم محتاجون إليه. فقال:{ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا. إنما نطعمه لوجه الله، لا نريد منكم جزاء ولا شكورًا. إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا}. ثم أخبر عز وجل أنه قبل منهم ما تقربوا به إليه. وأمنهم بما خافوه، فقال:{فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا} الآيات إلى آخرها.
فدل ذلك على فضل الإطعام لوجه الله تعالى. ويدل عليه أيضًا أن الله تعالى جعله كفارة وفدية للنفوس وعدله بتحرير الرقبة التي جاء الخبر فيه، بأن من أعتق النسمة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه (من) النار.
فقال في كفار اليمين: فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة. وإقامة في سائر الكفارات مقام الصيام الذي هو بدل العتق، وشرع في زكاة الفطر الإطعام. وأقام الإطعام لمن لا يستطيع صيام شهر رمضان مقام الصيام، فدل ذلك على أنه من أعلى ما يتقرب به إلى الله عز وجل.
وفي الباب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان) وبالله التوفيق. ويدخل في هذا الباب ما قاله أبو هريرة رضي الله عنه: إذا قرب إليك المسلم طعامًا فكله ولا تسأله عنه. وإذا قرب إليك شرابًا فاشربه ولا تسأله عنه.