إن كان ذميًا. وله أن يدعوا له بالسلامة على معنى أن يؤمن فيسلم كما كتب الله تعالى للمؤمنين السلامة منه، ويكون قوله عليكم السلام، كقوله له هداك الله.
ولا ينبغي للمؤمن أن يبدأ كافرًا بالتسليم عليه، لأن التسليم تحية، والتحية تعظيم. ولا ينبغي للمسلم أن يعظم كافرًا، فإنه بقدر ما يرفعه تعظيمه إياه يضع من نفسه إذ ليس من يعظمه مستحقًا للتعظيم. وإذا دخل رجل على قوم، فكلمهم ولم يسلم عليهم، فإن وجدوا من إجابته بدًا فينبغي لهم أن لا يجيبوه لأنه استخف بهم بأن منعهم حقهم من السلام الذي سن لهم أن يبدأهم به، فأقل ما يستحقه أن يستخفوا به بأن يمنعوه جواب كلامه.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه) وهذا يحتمل وجهين: لا تجيبوه عن كلامه الذي بدأ به. والآخر لا تجيبوه عن سلامه الذي قدم الكلام عليه. فيكون هذا إسقاطًا لفرض الرد إذا قدم على السلام كلام من غير جنسه.
فإن كان هذا هو المعنى، فوجهه أن السلام تحية اللقاء، فإذا كان اللقاء وتبعه خطاب بكلام سوى السلام، فقد انقضى وقت السلام. فإذا وجد بعد، فإنما وجد في غيره وقته، فلا يقع موقع التحية، ولا يجب الرد والله أعلم. فإن عرض له ما يعجله ويدعوه إلى القيام، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من كان في مجلس يرجو فيه- يعني خيرًا- فأعجلته حاجة فقام إليها، فليسلم على القوم، فإنهم شريكه فيما أصابوا من خير بعده، فقام رجل فلم يسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، ما أسرع ما نسي هذا). والسلام في هذا الحال ليس بتحية، إنما هو دعاء لهم بالسلامة بعده. فإن كانت لهم السلامة، فقد أصابوا خيرًا، وكان لأجل دعائه الذي دعا لهم في ذلك الخير.
فأما السلام لأجل التحية وإكرام الوجه عند اللقاء عن أن يسكت ولا يحيا، فلا يكون إلا عند الدخول. ولا ينكر أن يكون السلام كلامًا واحدًا لم يختلف حكمه لأجل اختلاف الحال، ألا ترى أن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم عند لقائه كان يكون تحية لوجهه إذا رأوه، وتكريمًا له، وفي الصلاة دعاء له لا تحية لأنهم يسلموا عليه، وهو لا يسمع سلامهم. ومثل