يكون الآخر آمناً منه. فلا يجوز إذا سلم واحد على الآخر أن يسكت عنه فيكون قد أخافه وأوهبه الشر من نفسه. ولذلك وجب عليه الرد، وليس هذا في الهدية هكذا، لأنها للألفة واستجلاب المودة. وفي تعجيل المثوبة، دليل على التضجر والميل إلى إبطال ما عسى أن يتوهم وجوبه من النية. فكان ذلك بالكراهية أولى منه بالوجوب والله أعلم.
فأما رد مثلها أو خير منها في وقت آخر مستحب، ولكنه لا تجب الآن الأولى كانت لاستجلاب المودة، وقد حصل ذلك حكم العادة، مضار الهادي أحب إلى المهدى إليه مما كان من قبل زمان المهدي أيضًا لكان ما أخرجه من ماله إلى من أهداه إليه، أسعف به مما كان من قبل. فحصل الحب بين الجانبين واستغنى بذلك من المجازاة، فإن لم تكن لم تضر والله أعلم. وأيضًا أن رد السلام فرض من فروض الكفاية، فلأن السلام من البادئ به واحد. فإذا رد أحد القوم عليه، فقد وصل إليه سلام مثل سلامه جزاءا للسلام الذي كان منه. فقضى ذلك حقه، ولا زيادة له عليه.
فإن قيل: فإنه إذا سلم عليهم كان له سلام على كل واحد منه، وإذا رد عليه أحدهم فكان كل واحد منهم رده عليه. لأنه إنما يريد بقوله فيه: عليكم السلام، أي وعليك مثل سلامك. فإذا كان سلامه على عشرة كان عليه السلام يوازي سلامه والله أعلم.
فصل
وأما معنى قول القائل: السلام عليكم فهو قضى الله علكم بالسلامة مما تكرهون، والسلام والسلامة كالمقام والمقامة، والملام والملامة. وأما قيل عليكم ولم يقل (لكم) لأن المراد القضاء. والقضاء للعبد بالخير قضاء من الله عز وجل عليه. لأنه يناله، أراده أو لم يرده. وقد يناله وهو لا يشعر به. وقد قيل معناه: اسم السلام عليكم، أي اسم الله عليكم (أي كانت فيكم البركة ولكم اليمن والسعادة: كما يكون فيما ذكر اسم الله عليه، والله أعلم.