ستر نفسه. جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من أتى منكم من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من تبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله). فأمر كل واحد بالستر على نفسه. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وهو أن قال:(إياكم والمجاهرة! قيل: وما المجاهرة؟ قال: يبيت أحدكم يذنب ذنبًا قد ستر الله عليه، ثم يصبح فيحدث به الناس، فيخرج سترًا ستره الله عليه).
وعلة هذا أن من فعل فاحشة ثم تحدث بها، فقد جمع إلى مواقعة الذنب الجرأة عليه، وقلة المبالاة، وذلك أغلظ من أسراره، وإخفائه. لأن الأسرار لا تكون إلا من الخوف والوجل. ألا ترى أن جرم المحارب إذا قتل وأخذ المال، أغلظ من جرم القتال السارق وسمى الله عز وجل ذلك محاربة الله ورسوله. فما جرى مجراه فهو في الغلظ والقبح مثله. وإذا رأى رجلًا فلا يرى، ولم ير معه غيره، وفيه إذا هتك ستره معنى سابع وهو أنه يعرض نفسه للحد مع معرفته بصدقه.
وهذا القرار منه بنفسه، فلا ينبغي له أن يفعله. وكذلك إذا رأيت أربعة من الفساق الأخلاط رجلًا له امرأة على الزنا الكامل، أو فاسقًا رجلًا يشرب أو يسرق، فيسألهم سئل الواحد، فأما إذا رأيت أربعة من العدول رجلًا وامرأة على زنا كامل. أو رأى هذان رجلًا يشرب الخمر أو يسرق. فليس هذا موضع الأمر بالستر لما فيه من تفصيل حدود الله تعالى. وينبغي لهم أن يشهدوا القيام الحد الذي وجب، فيكون فيه طهارة للحدود، وردع له ولغيره عن مثل فعله، لأن الله عز وجل يقول:{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم}.
فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ادرأوا الحدود ما استطعتم) والشهود يستطيعون درأه لئلا يشهدوا! قيل: بل لا يستطيعون ذلك، لأن على الشهود إذا خافوا أن يتأول حق ويضيع، بتركهم إقامة الشهادة، أن يشهدوا ويحيوا الحق. فصح أنهم لا يستطيعون