والله أعلم. وقد قيل: إن كل من علم الله منه أنه أن بلغه الكبر آمن به وعده أدخله الجنة، وكل من علم منه أنه بلغه كفر وفخر، أدخله النار. ومن ذهب إلى هذا احتج بما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن أطفال المشركين. فقال:"الله أعلم بما كانوا عاملين"، وقد يحتمل أن يكون المراد بهذا الخبر غير هذا المعنى، وهو أن الله أعلم بما هم صائرون إليه، وما هو كائن من أمرهم. ويجوز أن يكون سئل عن هذا قبل أن يتبين له ما بهم، فقد كان صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ما كتب بدعاء الرسل، وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم، ولم يكشف له عن عاقبة أمره وأمر المشركين، ثم أنزل عليه:{هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} ثم أنزل عليه: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، أنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون}، وأنزل عليه، {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}.
فاعلم أن الذي يفعل به أن يظهره عليهم، والذي يفعل بهم أن يقهروا أو يذلوا، إلا أن يدخلوا في دين الحق، وكذلك يجوز أن يكون لم يعلم خبر الأطفال عند حدوث هذا السؤال فيوقف، وقال:"الله أعلم بما كانوا عاملين، أيدخلون الجنة آمنين أم يكونوا في النار معذبين".
ولم يرد بذلك أن كل واحد منهم يعامل في الآخرة بما علم الله أنه لو خلاه في الدنيا فعله، لأن ذلك لو كان جزاء، فالجزاء لا يكون بما لو وجد ليجزي إليه سبيل لفعل أو إذا يكون بما قعد فعل، ألا ترى أن أحدا من العصاة لا يعذب على معصية كانت تقع منه لو أمهل وترك في الدنيا، أكثر مما كان بها واحدا من الفقراء لا يعذب على منع زكاة كان يكون منه، لو أولي مالا، فالأطفال الذين هم أضعف منه وأقل قوة أولى أن لا يعاملوا بمثل هذه المعاملة وبالله التوفيق.
وقد قيل أن أمرهم يجري على ما ورد به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أنه تؤجج لهم نار يوم القيامة، ويؤمرون بدخولها، فمن هم اصرف بها إلى الجنة، ومن أبي أمر به إلى