النار، وقال الله عز وجل: إياي عصيتم، فكيف لو رسلي بالغيب أتتكم". وليس هذا لحديث ثابت، وهو مخالف لأصول المسلمين، لأن الآخرة ليست بدار امتحان. فإن المعرفة بالله فيها تكون ضرورة، ولا محنة مع الضرورة، لأن الأطفال هناك لا لهول من أن يكونوا عقلاء. فإن كانوا عقلاء كانوا مضطرين إلى المعرفة، فلا يليق باحوالهم المحنة. وإن كانوا غير عقلاء، فهم من المحنة أبعد.
فإن قيل: لوم، إذا كانوا مضطرين إلى المعرفة لم يجز أن يكونوا ممتحنين ما وراء المعرفة.
قيل: لأن سائر الطاعات تقع بالمعرفة، فإذا وقع الامتحان وقع ما وراءها، وإذا سقط الامتحان بها لم يثبت فيما وراءها. ولولا أن هذا هكذا لجاز أن يؤمر الكفار إلى الآخرة بأمر، بعد أن عرفوا الله ضرورة واعترفوا به، فإذا انتهوا إليه ادخلوا الجنة. وأن يمتحن الفقراء بأن يؤتوا في الآخر مالا، ثم يؤمر قوم أن سلوهم منه شيئا، فمن أعطى أدخل الجنة، ومن أبى أدخل النار وعذاب عذاب مانع الزكاة. فإذا لم يجز هذا لم يجز مثله، وعليه أن مرجع هذا الحديث إلى أنهم يقدمون على كفر، لو كفروا في الدنيا لكان يقع منهم، وقد بينا أن التعذيب على مثله لا يكون. وأيضا فإن دلائل الشرع قد استقرت على أن التخليد في النار لا يكون إلا على الشرك، وامتناع الصغار في الآخرة من دخول النار المؤججة ليس بشرك، فكيف يجوز أن يخلدوا لأجله نار جهنم.
فإن قيل إذا لا يخلد المسلم بمعاصيه لأنه مؤمن، فهؤلاء لا إيمان لهم مكتسبا. قيل: والكفار إنما يخلدون لكفرهم، وهؤلاء لا كفر منهم أصلا. فثبت بهذا كله أن هذا الحديث مخالف لأصول المسلمين، ولا يجوز إثباته، وبالله التوفيق.
فصل
وأما ولدان المسلمين، فقد توقف فيهم من توقف في ولدان المشركين، فقال: إذا كان كل منهم معامل بما علم الله تعالى منه أنه فاعله لو بلغه، فكذلك ولدان المسلمين.