للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موته) وإذا قد ظهر الجود والبخل فليتكلم على علة مدح الجواد وذم البخيل، فيقول إن الجواد متأدب بأدب الله، فإن الله تعالى عامل عباده بالخوف، فمن عليهم بالنعم التي سبق ذكرها. كذلك لما جعل لهم سبيلًا إلى أن ينعموا على غيرهم، كان الإنعام منهم محمودًا. ألا ترى أن الله تعالى لما وصف نفسه بأن يغفر الذنوب ويعفوا عن السيئات، ثم جعل لعباده سبيلًا إلى أن يعفوا عن من أساء إليهم، ويغفروا لهم، كان العفو والتجاوز عنهم محمودًا. ولما علم عباده ما لم يكن يعلمونه، ومن عليهم بذلك. جعل لهم السبل إلى أن يعلموا غيرهم ما علمهموه، كان التعليم منهم محمودًا. فكذلك الجواد بالمال هذا سبيله. وأيضًا فإن الجود مما يبعث عليه أهل الرأي والتمييز، لأن العاقل إذا ذكر في أنه إن لم يؤخذ ماله عنه بعوارض الآفات، أخذ عن ماله مما كتب عليه من الممات. ثم لا يدري أن الذي يخالفه في ماله، ماذا يصنع به، وفيم ينفقه. علم أن ما يجعله منه ما يوجب له حمدًا في العاجل، وأجرًا في الآجل، أولى به وأعود عليه، وانظر له من أن يمسكه حتى يأتيه المنية، فينتقل من ملكه وهو كاره إلى من إن أحسن فيه فلنفسه، ولا يرجع إليه من إحسانه شيئًا، ولا يجب له به أجر.

هذا والعوارض مخوفة والآفات غير مأمونة. وما يدريه لعله إذا أمسك ماله فقد بان له في الاحتياط، انقلب المال وبالًا عليه، فكانت منيته. ولعله يسرق أو يغضب أو تأكله النار أو الماء. وإذا كان كل ذلك ممكن لا يعصمه منه إمساكه والشح به، فإن ينظر لنفسه، ويجوز لها حظًا من حمد أو أجر، أولى به من أن يعرضه ويتعرض به للخطر وبالله التوفيق.

هذا وليس فائدة المال إمساكه، إنما فائدته صرفه فيما ينفع مالكه. ولا يقع أعظم من اكتساب الذكر الجميل والاسم الحسن الحميد، واستحباب الأجر العظيم. والثواب الكريم. فمن كان لا يستحقها بالإنفاق فيما يوجب له في العاجل المحمدة، وفي الآجل الجنة وبالله التوفيق. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما. قالت: قلت يا رسول الله، إنه ليس في بيتي إلا ما أدخل على الزبير، أفأعطي؟ قال: (نعم ولا توكي فيو كأعليك).

<<  <  ج: ص:  >  >>