لأن السبي إذا جرى عليهم معا، فقد حدث لهما إقرار على كفرهما بالسبي، ولست أعني بالإقرار في هذا الموضع أكثر من أن دينهما لم يتبدل بالسبي كما تبدل ذهابهما فأوجب ذلك أن يكون الصغير تابعها لهما في التقاء على ذلك الكفر، كما كان تابعا لهما في نفس الكفر حين حدث بينهما.
وأما إذا سبي وحده، سبى الأبوان، فإن انفراده بالسبي قد أوجب تغيير دينه، فلا يعود تابعا لهما بسبي يحدث عليهما، لأن حال الإتباع حال يحقق الولد مع أبويه كالملوق الذي هو حال يحدث له مع أبويه، والسبي الذي هو حال له مع أبويه. فإذا فات إمكان الإتباع لانفراده بوقوع السبي عليه، لم يعد هذا الحكم، بل ينس أبواه بعده فيجتمع معهما قياسا على أن الميراث إذا كان يستحق باستفاق الدينين عند الموت، فإن كان ذلك إذا فات عند الموت لم يعد بإسلام يحدثه الولد الكافر بعد موت الأب، وكذلك هذا، وإذا لم يعد تابعا لأبويه- إذا سبيا بعده- في الدين، فسبوا، أأسلما بعد ذلك أو لم يسلما.
وأيضا فإنه إذا سبي وحده لم يخل سابيه من أن يكون مسلما أو كافرا: فإن كان مسلما فمن المحال أن يعود الصغير الذي صار مسلما بإسلام سابيه إلى الكفر، إذا لحق به أبواه، لأن الله عز وجل لا يقبل الكفر بعد الإسلام ولا يقر أحدا عليه، وإذا كان كفرا غير كفر الأبوين، والانتقال من كفر إلى كفر غير مقبول من أحد أيضا أن كان كفره كفر الصغير وأبويه والعلة فيما ذكرت بها، وهي تجمع الأحوال كلها من أن حال الإتباع حال يتجدد للولد مع أبويه، فلما فات أمكان الإتباع إلى الحل التي تحدث وهي السبي دون أبويه، لم يعد هذا الحكم بان يلحق به أبواه من بعد فيجتمعوا، وإذا كان الأمر على وصفنا لم يصير مسلما بإسلام أبويه لأن كفر ولم يكن من قبلهما، فيزول بزواله عنهما والله أعلم.
فصل
وإذا حكمنا للمولود بين كافرين بأنه كافر، فإن غاية هذا الحكم أن يبلغ الصغير، فإذا بلغ فله حكم نفسه. فإن اختار دين أبويه، كافرا من ذلك الوقت بكفر نفسه،