للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجب، وإن كانوا بأنفسهم عقلاء مميزين، بل كان ذلك عندهم داخلا في أبواب المحال.

وإنما رأى أن الإيمان واجب بالعقل من حصلت له المعرفة، فثبت أن الإيمان الناشئ عن المعرفة هو الذي يضاف وجوبه إلى العقل والمعرفة في قصة العقل له أن يكون اضطرارا، وليس ذلك قولنا. وأما أن يكون استدلالا- وهو قولنا- والصبي لا يتكمل الإستدلال المؤدي إلى المعرفة فلم يمكن أن يضاف وجوب الإيمان عليه إلى العقل والله أعلم.

وأيضا فأن الإيمان بالله لا يتجرد على الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، ووجوب الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم يقع لدعوته، ودعوته خطاب يذيع بالسمع، فلما لم يكن الصبي حط في الخطاب المسمعي، دل ذلك على أن حجة النبوة، إنما تقوم عليه، فتلزمه إذا بلغ، وفي ذلك دليل على أنه لا يكون مسلما- وأن آمن بالله- ما لم يبلغ مؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: أرأيت إن قلنا إن المقدار الذي يلزمه بالعاقل من الإيمان يصح منه إلى أن يصير من أهل الزيادة عليه.

قيل: ليس لك أن تقول هذا، لأنك قبل منه الإيمان بالله ورسوله، وتنزله في غاية الأحكام الشرعية منزلة الكبير. فلو كنت صححت منه ما يوجبه العقل دون غيره، لوجب أن لا يلبسه الإيمان كله، وهو إنما يلبس ببعضه.

وأما من يخالف هذا الرأي فإنه يقول: العقل يدرك به الحسن حسنا والقبح قبيحا، أو المتحسن والمقبح غيره. كما أن البصر يدرك به الأسود أسود والأبيض أبيض، والمسود والمبيض غيره.

والدلائل على الباري جل ثناؤه ووحدانيته وقدسيته قائمة ظاهرة متجلية للعقول.

فأما أن ذلك المعروف المدل يجب اعتقاده، ويقبح أغفاله، ويجب الإقرار به ويقبح كتمانه، فهذا من فرائض الأمر والنهي المسموعين، وليس واحد منهما حسنا لعينه ولا قبيحا لعينه. وكذلك الصدق والكذب والعلم والعدل وشكر المنعم وكفرانه.

ولولا أن هذا هكذا لوجب إذا بلغ الصبي حد من يعقل ويميز، واستدل بأدنى ما يقدر عليه أو بما ينبهه عليه غيره، فحدثت له عنه المعرفة، فعرق واعتقد وأخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم إعلامه، ووجد ذلك متتابعا في الناس فحدثت له المعرفة به واعتقده أن

<<  <  ج: ص:  >  >>