يكون مؤمنا لم يلزمه إذا قررت عنده الشرائع العامة المتوارثة، ووقعت له المعرفة بها أن يؤديها، لأن إفادة العقل صاحبه، المعرفة بما يوجبه الإخبار العامة لا يتأخر لأجل أن الصبيان غير مخاطبين، وإذا وقعت المعرفة وجب الاعتقاد، ثم إذا كان المعقد أمرا فطاعة الله واجبة بالعقل عندهم. فينبغي أن يجب التقيد فلا يبقى شيء من الشرائع سوى ما جاءت به الأخبار الخاصة، ألا يلزم الصبي العاقل، وفي هذا بعض الشرع المتفق عليه وإزالته عن سنته، فصح وثبت أن المعول في الفرائض كلها على الأمر، والأمر غير متوجه على الصبي، فلم يكن له بنفسه إيمان ولا كفر والله أعلم.
فإن قال: لا يلزم ما ذكرت الصبي وإن أفاده عقله: المعرفة بما توجبه الأخبار العامة عن أمر ونهي، فإن تلك الأوامر والنواهي إنما هي على البالغين، فلا يلزم الصبي بتنفيذها، لأن معرفة الواحد فرض على غيره، لا يلزمه تنفيذه بنفسه.
قيل له: أما علمت أن أهل هذا القول يقولون: وكذلك الصبي وإن عرف ربه بعقله، فلا يعرف أن فرضا عليه توحيده والإيمان به، وإنما يعرف ذلك بالأمر، وهو أن عرف أن أمرا بذلك واضع من الله تعالى لم يلزمه امتثاله، لان الأمر للبالغ دونه، وليس عليه بتنفيذ ما أمر به غيره، والإيمان والشرائع في قولهم سواء والله أعلم.
وأيضا فلو كان في العقل وجوب شيء وحسنه وسقوطه ضده وقبحه، لم يجز أن يتأخر عن الصبي العاقل الخطاب الشرعي، لأن المعرفة بما يخاطب تقع له المعرفة بما تركت في عقله، فإذا صار محجوبا بموجب العقل وجب أن يصير محجوبا بموجب السمع، لأن الخطاب يقرع سمعه، كما المعقول يخطر بقلبه، وصغره لا يدفعه عن المعرفة بواحد من الأمرين.
ولما كان من قول لأمة أنه غير محجوج بخطاب سمعي دل ذلك على أمه غير محجوج بدليل عقلي، ولو كان في العقل الدليل الذي يقولون، لم يجز إلا أن يكون محجوبا به. ولو جاز أن ما يحدث له من بالمعقول فلما أجمعوا على أن حجة لا يقوم عليه بالسمع وهو صغير، دل على أنها لا تقوم عليه بالعقل. فيثبت أنه ليس في العقل هذه الدلالة التي يدعونها، وإنما فيه إحداث الحسن حسنا والقبيح قبيحا، فأما أن يكون حسن لعينه أو قبيح لعينه