ولا يكون، وإنما يحسن ما ينبغي فعليه الأمر به، ويصح مالا ينبغي فعليه بالنهي عنه وبالله التوفيق.
ويقال لهذا القائل: قال الله عز وجل: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك، يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها} ومعلوم أن العقول لا تعدم حينئذ ولكن تكون بحالها دالة على ما كانت تدل عليه من قبل، ولكن خطاب السمع لما زال، لم تعتد بعد ذلك بإيمان أحد ولا بتوبته، وكذلك الكفار في القيامة تكون عقولهم معهم لا يعدمون منها شيئا، ولكن خطاب البعيد لما كان زائلا عنهم لم يعتد بإيمانهم، وأحسنوا أن الصبي المراهق عاقل مميز لحب الإيمان في عقله حسنا والكفر قبيحا، أليس خطاب البعيد غير متوجه عليه! فما أنكرتم أنه لا إيمان له وبالله التوفيق.
وقال قائل: في الاعتراض على ما استشهدت به من العقول: ليس إذا كان الصبي لا يعقد النكاح والطلاق على نفسه، بطل أن يعقد الإنسان على نفسه، فإن أمه لا تعقد النكاح والطلاق عليه، ثم لا يدل ذلك على أنها لا تعقد الإسلام عليه لعقده على نفسها.
فالجواب: أن الصبي لا يعقد شيئا من العقود من نفسه، فلذلك لا يعقد الإسلام الذي هو أشرف العقود وأعلاها، وجواز أن تعقد الأم عليه الإسلام لعقده على نفسه، مع عجزها عن عقد سائر العقود عليه، لا يدل على جواز أن يعقد بنفسه الإسلام على نفسه، مع عجزه عن سائر العقود على نفسه، لأنه تابع في الدين لغيره في الجملة، والتابع يمنع أصلا مرة وأصلا سواه أخرى، وذلك لا يوجب أن يستقل بنفسه فلا يتبع أصلا. ألا ترى أن الولد يتبع في الحرية والرق أمه مرة وأباه أخرى، ولا يمكن أن يكون أصلا في الواحد منهما، فيعلق جزءا وأبواه مملوكان، لا غرور بينهما أو رقيقا وأبواه حران. فكذلك الصغير قد يتبع في الإسلام أمه مرة وأباه أخرى، ولا يمكن أن يكون أصلا في الدين فيسلم فيكون مسلما وأبواه كافران.
وأيضا فإن هذه المعارضة غير صحيحة لأن المرأة لا تلي على ولدها الصغير نكاحا