للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطواع ذلول للينة وسلاسته. فإذا قيل لله عزيز، فإنما يراد به الاعتراف له بالقدم الذي لا يتهيأ معه تغييره عما لم عليه منا القدرة والقوة، وذلك عائد إلى تنزيهه عما يجوز على المصنوعين لاعتراضهم بالحدوث في أنفسهم للحوادث أن تصيبهم وتغيرهم.

ومنها المتعال: ومعناه المرتفع عن أن يجوز عليه ما يجوز على المحدثين من الأزواج والأولاد والجوارح والأعضاء، واتخاذ السرير للجلوس عليه والاحتجاب بالستور عن أن تنفذ الأبصار إليه، والانتقال من مكان إلى مكان ونحو ذلك. فإن إثبات بعض هذه الأشياء توجب النهاية، وبعضها يوجب الحاجة، وبعضها يوجب التغير والاستحالة، وشيء من ذلك غير لائق بالقديم ولا جائز عليه.

ومنها الباطن: وهو الذي لا يحس وإنما يدرك بآثاره وأفعاله.

ومنها الكبير: ومعناه المعروف عباده على ما يريده منهم من غير أن يروه.

وكبير القوم هو الذي يستغني عن التبذل لهم، ولا يحتاج غي بعض الناس وفي بعض الأمور إلى الاستظهار على المأمور بإبداء نفسه ومخاطبته كفاحا لخشيته أن لا يطيعه إذا سمع أمره من غيره. والله عز وجل لا يحتاج إلى شيء ولا يعجزه شيء.

ومنها السلام: لأن معناه السالم من المصائب، إذا هي غير جائزة عليه وإن جوازها على المصنوعات، لأنها إحداث وبدائع. فكما جاز أن يوجدوا بعد أن لم يكونوا موجودين جاز أن يدعموا بعد "ما" وجدوا، وجاز أن تتبدل أعراضهم وتتناقض أو تتزايد أجزاؤهم، والقديم لا علة لوجوده، فلا يجوز التغير عليه. ولا يمكن أن يعارضه نقص أو شين، أو تكون له صفة تخالف الفضل والكمال.

ومنها الغنى، ومعناه الكامل بماله وعنده، فلا يحتاج معه إلى غيره، وربنا جل ثناؤه بهذه الصفة لان الحاجة نقص، والمحتاج عاجز عما يحتاج إله إلى أن يبلغه ويدركه، والمحتاج إليه فضل، فوجد ما ليس عند المحتاج. والنقص منفي عن القديم بكل حال، والعجز غير جائز عليه، ولا يمكن أحد "أن يكون" عليه فضل، إذ كل شيء سواه خلق له وبدع أبدعه ولا يملك من أمره شيئا، وإنما يكون كما يريده الله عز وجل ويدبره فلا يتوهم أن يكون له مع هذا اتساع لفضله عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>