{فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين}.
ومنها أن يلهم الله تعالى واحدا منهم بالكلام يسمعه على كل شيء فيجده في نفسه من غير موصل يقدمه إلا منه إليه بحس واستدلال.
ومنها أن يوحى إليه على لسان ملك فيراه فيكلمه كما يكلم واحدا من البشر صاحبه فيقع له العلم بما يسمعه منه.
ومنها أن يأمر الملك فينفث في روعه كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أن روح القدس نفث في روحي: فإن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب". وهذا هو الوحي الذي يخص القلب دون السمع وفي كتاب الله عز وجل:{نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين}. وقالا لله عز وجل:{إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا}.
وذلك- والله أعلم- أن ينفث الملك في روح المؤمن من الأطماع في الظفر بالعدو، والرغبة في الثواب والأجر والاتكال من القرار، فيحمله ما يجده في قلبه من هذه المعاني في الثبات ويزول عنه ما يسوس به الشيطان من التخويف والإحباط من الظفر، والحمل على اغتنام السلامة بالرجوع إلى الأهل، إذ كان الملك ينفث في روع كل مؤمن. فما الفرق بين النبي وبين من دونه؟
قيل له: لا ينفث في روح من دون النبي صلى الله عليه وسلم علم الأحكام ولا علم الكوائن والحوادث المستقبلة، والوعد والوعيد، وإنما ينفث في روعه ما تقدم ذكره وما يشبهه فيكون ذلك مددا للتوفيق يدرأ به عنه وساوس الشيطان عن صدره والله أعلم.
ومنها إكمال عقل النبي وتقويته صيانته عن الخبل والجنون فلا يعرضان له، وبالحر في أن يكون ذلك لا آلة التمييز والعيان على الدلائل كلها هو العقل، فيحق أن يكون من اصطفاه الله تعالى بتكليمه وإرسال ملك إليه بأمره ونهيه ووعده ووعيده أقوى