الداخلة في قوله عز وجل:{ويتفكرون في خلق السماوات والأرض}
قال قائل: إن الأصل الذي يذكرونه لبطلان الكهانة ليس بذلك البين لأنكم تزعمون أن الجن كانت تتسمع لخبر السماء، فلما بعث نبيكم حرصت السماء ورصدت الشياطين فمن وجد منهم مسترقاً للسمع رمي نجم فأحرقته، لئلا تنزل به الأرض فيلقيه إلى الناس، فيختلط على النبي أمره، ويرتاب الناس خبره، وان سبب انقضاض الكواكب هذا دون غيره ولا يجوز أن يكون ما يذهبون إليه هذا حقاً، لأن انقضاض الكواكب مذكور في أشعار شعراء الجاهلية الذي سبقوا الإسلام.
وقد ذكرته الفلاسفة في كتبهم وزعم الزاعم منهم أن الأرض إذا سخنت بالشمس ارتفع منها بخار يابس، فإذا بلغ النار التي دون الفلك احترق بها مكان اللهب الذي يرى غليان ذلك البخار، فإن كانت هناك اجزاء من البخار متجمعة واحترق شيئا فشيئا أرى سهل ذلك اللهب متطاولا، وإن اخترقت دفعة واحدة رئيت كشكل القمر.
وهذا يبين أن انقضاض هذه الكواكب ليس لأجل نبوة نبيكم، ولو أن لأجله، لوجب أ، ينقطع بموته، إذ ليس هناك اليوم ما يخشى أن يسابقوا إليه النبي فيسبقونه.
وقال قائل: إن كانت السماء خرست في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أفكانت قبل ذلك ضائعة والشياطين للملائكة في علم ما يجري فيها مشاركة، فإنذ كان ذلك جائزاً فهلا سكنت السماء كما سكنتها الملائكة؟ وماذا أثر اخراج ابليس منها؟ فأنكم تزعمون أن الله عز وجل قال له:{فاخرج منها فانك رجيم} أفكانوا بعد هذا القوم متمكنين من السماء يقفون على إخبارهم، ويعلمون ما يجري فيها.
وقال قائل: كيف تقتع الثقة بما يصفون من هذا الأمر العظيم، وقد عقل أن الجن الطف حواساً، وأصفى أذهاناً وأثقب إفهاماً، وأقوى على كثير من الأمور من الإنس؟ فكيف يجوز أن يشاهدوا واحداً أو مائة من جنسهم يسترقون السمع، فيقدمون السمع، فيقدمون بالنار ويهلكون، ثم هم على ذلك يعودون لمثل صنعهم، وليس في العادات أن يستنصر عاقل بأمر فيعلمه سبباً للهلاك يقيناً، فيعترض له، فكيف صارت الجن تعقل هذا وتختاره لأنفسها؟