للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب: أن أصل الكهانة ما ذكرنا، ولم يكن الكهان يدعون لأنفسهم سبباً غير اختيار الجن إياهم، مما لا يجبرون به غيرهم، وقد عقل أن الجن لا تصل إلى معرفة ما لا يكون في الأرض ولا في الحويل يكون في السماء إلا بان، يخبرهم عنه مخبر، فأما أن يهبط عليهم من السماء من يحدثهم، وأما أن يرتقوا هم إلى السماء فيستمعوا ولما لم يكن يهبط عليه من السماء أحد، دل ذلك على أنهم كانوا ينسبون بالارتقاء إليها إلى معرفة ما يجري فيها، ولا يجوز أن يدخلوا ويتمكنوا فيها، لأنها مكان غيرهم فثبت أنهم لم يكونوا يصلون إلى أكثر من استراق كما وصفه الله تعالى.

ثم أن الذي ذكره الله عز وجل في كتابه من أمر الشهب، فجملة القول فيه: أنه ليس فيما يتلوه من كتاب ربنا عز وجل: ان الشياطين ترمي بالكواكب أو بالنجوم وإنما فيه ما يذكره، وهو أنه عز وجل قال حكاية عن الجن: {وإنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً}. فأخبرت الجن أنه زبد في حراس السماء حتى امتلأت منها ومنهم.

وفي ذلك دليل على أنه كان فيها قبل ذلك حراس وشهب معدة معهم. والشهاب في لسان العرب: النار الموقدة، وقال عز وجل: {ولقد زينا السماء الدنهيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين} ويجوز أن تكون المصابيح هي الشهب المعدة مع حراس، دون أن يكون المراد بها كواكب السماء لأن المصباح هوالسراج، فلو كانت الكواكب مصابيح لم يكن لتخصيص الشمس بتسميتها سارجا؟ ً معنى.

فثبت أن المراد بالمصابيح الشهب المعدة للقذف، وإن تزيين السماء بها هو تزيين ما يلي سكانها منها لا تزيين ما يلينا منها. وقال عز وجل: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب} فمن قرأ بالإضافة والجو فوجهه: أن السماء زينت بمثل زينة الكواكب. وزينة الكواكب النور والإشراق. فكذلك زينت في السماء لأجل الحراسة شعل منيرة مشوقة: كأنها في رأي العين كواكب حساً وكثرة، ولو كان المعنى غير هذا الأشبه أن يقال: أن السماء الدنيا بالكواكب، دل ذلك على أنها زينت بزينتها لأنها أنفسها، وزينتها كما ذكرنا والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>