فإن أغفلوا أو بعضهم التهى، فليس ذلك يلزم ربنا جل ثناؤه بصنعها ولا إهمالها، فما أكثر ما شرع للإنس وأمر ونهى وأباح وحظر ورغب وحدد ونزه وندب ووعد وأوعد، فضلوا عن شرائعه، وتركوا الطاعة في نواهيه وأوامره، ثم لم يعالجهم بالعقوبة، ولم يلجئهم إلى فعل ما يرضيه عنهم ضرورة، ولم يوجب ذلك إضافة التصنيع والإهمال إليه عن اسمه، فلذلك شأن السماء وما جرى فيها، والله أعلم.
فصل
وأما قول من قال: إن الجن أصفى أذهانا واثقب افهاماً، فكيف يعلم أنها ترصد بالشهب، وتعاين من يحترق من المستمعين منهم، ثم يعود فيجلس تلك المجالس، ويتعرض للإحتراق؟
فجوابه: أن الله عز وجل إذا كان قد قضى على طائفة منها الحرق، لطغيانها وضلالها قيض لها من الدراعي المطمعة في درك المرام المغفلة عن الاختيار ما يقرب عليها بعد الطلب، ويحول بينها وبين سبيل المهرب، ويوردها مواضع حتوفها، فينزل بها قدر الله على رغم أنوفها وبالله التوفيق.
وقد ذهب بعض المتكلفين إلى أن نصب الحرس وإعداده الشهب خارق في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ما ينسب إلى الأوائل من وضع الكتب في تأويل الشهب فغير موثوق به. فقد جرب المترجمون كثيرا من كلامهم، ونسبت إليهم كتب لم يضعوها، وأشياء لم يقولها، وأما الأشعار فلم يثبت عن الجاهلين فيها شيء من القصائد التي فيها ذكرها، بعضها من نسبت إليه، والأمر في ذلك أبين، وبعضها شعر من المخضرمين الذين جمعوا بين الجاهلية والإسلام ولا يخالف القرآن بوجه من الوجوه، وخصوصا بخبر لا يعرف أصله ولا يعتمد نقله، وبالله التوفيق.
ذكر فصول في هبوط الملائكة بالوحي على الأنبياء صلوات الله عليهم:
قال قائلون من الطاعنين في النبوءات: أن الإجرام العلوية لا يمكن ولا يجوز أن تنزل إلى الأرض، والأجرام السفلية لا يمكن ولا يجوز أن تعلموا إلى السماء، كالنار التي إذا