تحركت لم يمكن أن تتحرك إلا نحو العلو، والماء والتراب اللذين إذا تحركا لم يتحركا إلا نحو السفل!
فالجواب: أن الملائكة أجسام فلا ينكر حركتها في الجهات، لأن ما جازت عليه الحركة نحو جهة، جازت عليه الحركة من كل جهة.
فإن قيل أن الملائكة روح مفردة، والأرواح جواهر، ولا ينكر ذلك أحد منكم، وليس إلا جواهر مؤلفة أو يقال لهم: أن كل الجرم العلوي لا ينزل بطبعه فإنه ينزل بالعسير كالجرم السفلي الذي اثبت لم يفك بطبعه، فقد نقلوا بالقسر كلامهم، والحجر يرمى إلى فوق، فلا يخلو من أن يعلو أو يبلغ من العلو ما يبلغ ثم ينزل، فما أنكرت أن يكونه الملك ينزل بالقسر الذي يلحق من الباري جل ثناؤه، وليكون منه في الأرض ما يريد، ثم يرده إلى مكانه.
ويقال لهم: أن داعيبكم متفقون على أن النفس عالما من فوق، وقلتم مع هذا أن في كل بدن من أبدان الناس نفسا تجاوره مدة ثم تفارقه، وفي هذا أناله النزول على النفس لمجاورة البدن، فلم جاز أن ينزل الملك ليساكن الناس وقتا ثم يرجع إلى مكانه!
ويقال لهم: إذا كانت الملائكة أرواحاً، فهل يخلو حي من روح تجاوره مدة من المدد ثم تفارقه؟ فإ ذا كان وجود الروح في الأرض مستمكناً على هذا الوجه، فما الذي أحال هبوط الأرواح أو الروحانيين إلى الأرض من غير أن يداخل الأبدان ويسكنها، لولا التسرع إلى القضاء بما يدعو إليه الهوى
فصل
قالوا: إن كان ملك يهبط إلى الأرض على إنسان فيكلمه من حيث يراه، فكيف لا يراه ناس إن كانوا حوله إذ كانوا في قوة البصر مثله؟
فالجواب: أن الله تعالى يخصه بإدراك الملك الذي هو من المدركات بالأبصار في الجملة، ويعجز غيره عن إدراكه كما قد يخص واحداً بإدراك بعض العقولات، ويعجز غيره عن إدراكه. وقد زعمتم أن فيثاغورس كان يسمع أصوات الأفلاك والكواكب إذا تحركت وما سمع أن أحداً سواه سمعها، إلا ما يروى عن نبينا صلى الله عليه وسلم من قوله: