(أطت السماء وحق لها أن تئط) فإذا أخرتم أن تكون الأفلاك والكواكب أصوات عند حركاتها مسموعة، ثم يختص واحد من بين الأولين والآخرين بسماعها، فلم لا أجزتم أن يخص الله تعالى أنبياءه بإدراك الملائكة إذا نزلوا عليهم دون حاضري مجالسهم من الناس تكريماً لهم وتمييزا عن غيرهم.
فصل
قالوا: زعمتم أن الملك كان ينزل على نبيكم في صورة إنسان، أفكان يكون في تلك الحال ملكاً أو له لساناً؟ فإن قلتم كان يكون إنساناً فالملك إذا لم يهبط على أحد قط.
فالجواب: أنه يكون ملكاً لأن التغيير كان يلحق ظاهره دون باطنه، وليس في هذا ما يوجب دخول الشبهة على الناس في تمييز بعضهم بعضاً لأن الملائكة لا تخالط الناس ولا يماشوهم في الأسواق، ولا يجالسونهم في بيوتهم، ولا يصافونهم في مساجدهم، فوقوع العلم لهم بذلك في الجملة تزيح الشك من صدورهم فيمن يرونه، فلا يظنون أنه ملك في صورة بشر والله أعلم.
فصل
قالوا: إن كان الملك ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في صورة إنسان، أفكان هو الذي ينقلب في صورة البشر؟ قيل: كلا، بل الله عز وجل كان يغير صورته، لا يقدر على ذلك أحد سواه كما لا يقدر على خلق الإنسان من التراب، ثم إعادته تراباً، فأما هو جل ثناؤه فلا يعجزه شيء وهو على ما يشاء قدير.
فصل
قالوا: وكيف كان يعلم الذي ينزل عليه الملك أن الذي يراه ملك، وليس بإنسان؟